في الكبر بحيث يحمل القدر الواحدة الجماعة من الحمّالين.
وكانت أحواله عجيبة لا تكيّف ولا تنتظم والأقوال فيه مختلفة: فمن الناس من أثبت صلاحه، ومنهم من رماه بالعظائم [والله أعلم بحقيقة حاله].
وما برح على ذلك إلى ثاني عشر شوّال سنة إحدى وسبعين وستّمائة. فبعث إليه الملك الظاهر الأمير قشتمر العجميّ لإحضاره. فلمّا طلبه للحضور إلى القلعة أنكر ذلك لأنّه لم يكن له به عادة. فعرّفه ما هم فيه فحضر معه. فلمّا دخل لم يجد ما يعهده، وكان السلطان قد تغيّر عليه، وأحضر من دمشق من أصحابه من يحاقفه على أمور نقلت إليه ويقابله عليها. وقد قعد وعنده من أكابر الأمراء فارس الدين الأتابك، وبدر الدين بيسريّ، وسيف الدين قلاوون. فقعد الشيخ خضر منتبذا منهم. فأحضر السلطان الذين أحضرهم من أصحابه من دمشق. فشرعوا في القول ونسبوه إلى قبائح من الزنا واللواط، ورموه بأمور عظيمة لا تكاد تصدر من مسلم. فقال: ما أعرف ما تقولونه. ومع هذا فأنا ما قلت لكم إنّي رجل صالح. فأنتم قلتم هذا. فإن كان ما يقول هؤلاء صحيحا فأنتم كذبتم.
فقام السلطان ومن معه من عنده وقالوا: قوموا بنا لا نحترق بمجاورته! - وتحوّلوا إلى طرف الإيوان بعيدا منه. فقال السلطان: إيش رأيكم في أمره؟
فقال الأتابك: هذا مطّلع على أسرار الدولة وبواطن أحوالها وما ينبغي إبقاؤه في الوجود، فإنّه لا يؤمن أن يصدر منه ما لا يمكن تلافيه.
فوافقه الحاضرون على ذلك، وقالوا: ببعض ما قد قيل عنه يباح دمه.
ففهم ما هم فيه. فقال للسلطان: اسمع ما أقول لك: أنا أجلي قريب من أجلك، وبيني وبينك مدّة أيّام يسيرة، من مات لحقه صاحبه عن قريب.
فوجم السلطان لذلك وقال للأمراء: ما ترون في هذا؟
فلم يقل أحد منهم شيئا. فقال: هذا يحبس في موضع لا يسمع له فيه حديث فيكون [٤٣١ ب] مثل من قد قبر وهو حيّ.
فقالوا: الذي رآه مولانا السلطان.
فحبسه في مكان مفرد بقلعة الجبل. ولم يمكّن أحدا من الدخول إليه إلّا من يثق به السلطان غاية الوثوق. ويدخل إليه بالأطعمة الفاخرة والأشربة والفواكه، والملابس تغيّر عليه كلّ وقت. وكان حبسه في ثاني عشر شوّال المذكور [سنة إحدى وسبعين وستّمائة].
فلم يزل في سجنه على ذلك إلى أن خرج السلطان لأخذ بلاد الروم في العشرين من شهر رمضان سنة خمس وسبعين وتركه محبوسا. فمات يوم الخميس سادس المحرّم سنة ستّ وسبعين وستّمائة. وأخرج يوم الجمعة من سجنه بقلعة الجبل ميّتا، فسلّم إلى أهله فحملوه إلى زاويته خارج باب الفتوح بخطّ زقاق الكحل قريبا من الجامع الظاهريّ. فغسّل بها، وقد نيّف على خمسين سنة.
واتّفق أنّ السلطان لمّا عاد من بلاد الروم كتب بالإفراج عنه وجهّزه على البريد، فوصل البريد بعد موته. ولم يعش السلطان بعده سوى عشرين يوما ومات في سابع عشرين محرّم المذكور، فكان كما قال الشيخ خضر.
ويقال إنّ سبب تغيّر السلطان عليه مع ما تقدّم ذكره أنّه أعطاه من تحف قدمت عليه من اليمن