للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأزالوه عن مكانه. فقتل جبلة ولم يعرف قاتله، وحملت رأسه إلى الحجّاج فبشّر أصحابه بذلك.

وجزع القرّاء لموته فقال أبو البختريّ: لا يظهرنّ عليكم الجزع، فإنّما كان كرجل منكم أتته منيّته فلم يكن ليتقدّم ولا يتأخّر.

فظهر الفشل فيهم، وناداهم أصحاب الحجّاج:

يا أعداء الله، قد هلكتم وقد قتل طاغيتكم!

فقدّم القرّاء عليهم بسطام بن مصقلة بن هبيرة الشيباني، وكان شجاعا. فدخل عسكر الحجّاج فأخذ أصحابه ثلاثين امرأة فأطلقهنّ فقال الحجّاج: منعوا نساءهم، لو لم يردّوهنّ لسبيت نساءهم إذا ظهرت عليهم.

واستمرّت الحرب مائة يوم وثلاثة أيّام من حين نزولهم بدير الجماجم لليلة من ربيع الأوّل إلى أن كانت الهزيمة لأربع عشرة مضت من جمادى الآخرة.

فلمّا كان يوم الهزيمة اقتتلوا أشدّ قتال، واستظهر أصحاب عبد الرحمن على أصحاب الحجّاج، فحمل سفيان بن الأبرد من ميمنة الحجّاج على الأبرد بن قرّة صاحب ميسرة عبد الرحمن فانهزم الأبرد من غير قتال، فظنّ الناس أنّه قد بيّت معه أن ينهزم. وتقوّضت الصفوف من نحوه [٢٩ أ] فصعد عبد الرحمن المنبر فنادى الناس: إليّ عباد الله، فأتاه جماعة، وقد ثبت حتى دنا منه أصحاب الحجّاج فقاتلهم وقد دخل عليه أصحاب الحجّاج في عسكره فقال له عبد الله بن يزيد [بن المفضّل الأزدي]: انزل فإنّي أخاف عليك أن تؤسر، ولعلّك إن انصرفت أن يجتمع إليك جمع يهلكهم الله به.

فنزل وانهزم بمن معه لا يلوي على شيء حتى أتى البصرة. فاجتمع إليه المنهزمون وبايعه الناس على الموت، وقد صار في جميع كبير. فعسكر بمسكن (١*) وخندق عليه وعلى أصحابه. فأتاه الحجّاج بعد ما ملك الكوفة. واقتتلوا خمسة عشر يوما من شعبان أشدّ قتال. فانهزم عبد الرحمن، وقتل عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه، وأبو البختري في أربعة آلاف من الشجعان. ومرّ عبد الرحمن بن الأشعث نحو سجسجتان، فأتبعه الحجّاج بابنه محمد بن الحجّاج على جيش فقاتلوه بالسوس ساعة فانهزم إلى سابور. واجتمع إليه الأكراد فقاتله جيش الحجّاج قتالا شديدا فهزمهم ومضى إلى كرمان فلقيه عامله بالإنزال.

ثمّ رحل إلى زرنج (٢*) فلم يمكّن منها، فسار إلى بست وعليها من قبله عياض بن هميان فاستقبله وأنزله: فلمّا تفرّق أصحابه قبضه وأوثقه ليبعث به إلى الحجّاج. وقد كان رتبيل ملك الترك قد سمع بمقدمه، فسار إليه ونزل على بست، وبعث إلى عياض: والله لئن آذيته بما يقذي عينه أو أخذت منه ولو حبلا لا أبرح حتّى استنزلك وأقتلك وجميع من معك وأسبي ذراريكم وأغنم أموالكم!

فخلّى عنه. وخرج إلى رتبيل فسار به إلى بلاده وأكرمه وعظّمه ولحق به جماعة من أصحابه وأشاروا عليه أن يسير عن سجستان إلى خراسان، وبها يزيد بن المهلّب. فسار إلى هراة، فتركه عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة في ألفين ومضى عنه. فعزم على العود إلى رتبيل، فتفرّق عنه معظم أصحابه وبقي في طائفة. فمضى إلى رتبيل، فقال له علقمة بن عمرو الأودي: ما أريد أن أدخل معك إلى رتبيل لأنّي أتخوّف عليك وعلى من معك.

والله لكأنّي بالحجّاج وقد كتب إلى رتبيل يرغّبه ويرهّبه. فإذا هو قد بعث بك سلما أو قتلك.


(١*) زاد الطبريّ، ٦/ ٣٦٦: على دجيل.
(٢*) السوس وسابور وزرنج بخوزستان (ياقوت).

<<  <  ج: ص:  >  >>