للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فعرضا على أهل العراق عزل الحجّاج، وأن تجرى عليهم أعطياتهم كما تجرى على أهل الشام، وأن ينزل عبد الرحمن أيّ بلد شاء من العراق فيكون واليا عليه ما دام حيّا، وعبد الملك خليفة.

فاجتمعوا عند عبد الرحمن فقال لهم: قد أعطيتم أمرا انتهازكم اليوم إيّاه فرصة. فإنّكم اليوم على النّصف. فإن كانوا اعتدّوا عليكم بيوم الزاوية فأنتم تعتدّون عليهم بيوم تستر. فاقبلوا ما عرضوا عليكم وأنتم أعزّاء أقوياء، فالقوم لكم هائبون وأنتم لهم منتقصون، فو الله لا زلتم عليهم أجرياء وعندهم أعزّاء أبدا ما بقيتم إن أنتم قبلتم.

فوثب الناس من كلّ جانب فقالوا: إنّ الله قد أهلكهم فأصبحوا في المجاعة والضنك والقلّة والذلّة، ونحن ذوو العدد الكثير والسعر الرخيص والمادّة القريبة. لا والله، لا نقبل!

وأعادوا خلعه مرّة ثانية، فكان هذا الخلع أكثر جمعا من خلعهم بفارس. وقال عبد الرحمن: ألا إنّ بني مروان يعيّرون بالزرقاء. والله ما لهم نسب أصحّ منه! ألا إنّ بني أبي العاص أعلاج من أهل صفوريّة (١). فإن يكن هذا الأمر في قريش فعنّي [تقشّرت] بيضة قريش، وإن يكن في العرب، فأنا ابن الأشعث! - ومدّ بها صوته ليسمع الناس.

وبرزوا للقتال وعلى ميمنة عبد الرحمن الحجّاج بن حارثة الخثعميّ، وعلى ميسرته الأبرد بن قرّة التميميّ، وعلى خيله عبد الرحمن بن العبّاس بن ربيعة الهاشميّ، وعلى رجاله محمد بن سعد بن أبي وقّاص، وعلى القرّاء جبلة بن زحر بن قيس الجعفيّ، وفيهم سعيد بن جبير، وعامر الشعبيّ، وأبو البختريّ الطائيّ،

وعبد الرحمن بن أبي ليلى.

وتزاحفوا كلّ يوم، وعبد الرّحمن يأتيه مدده وموادّه من الكوفة وسوادها فهو وأصحابه في خصب، والحجّاج ومن معه في ضيق شديد قد غلت عندهم [٢٨ ب] الأسعار وفقد اللحم.

وأبلى القرّاء في القتال بلاء عظيما. ونادى جبلة ابن زحر: يا عبد الرحمن بن أبي ليلى، يا معشر القرّاء، إنّ الفرار ليس بأحد أقبح به منكم. إنّي سمعت عليّ بن أبي طالب، رفع الله درجته في الصالحين وأثابه ثواب الصدّيقين والشهداء، يقول يوم لقينا أهل الشام: أيّها المؤمنون، إنّه من رأى عدوانا يعمل به ومنكرا يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ. ومن أنكره بلسانه فقد أجر (١*)، وهو أفضل من صاحبه. ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين السفلى، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى ونوّر قلبه باليقين.

فقاتلوا هؤلاء المحلّين المحدثين المبتدعين الذين جهلوا الحقّ فلا يعرفو [ن] هـ، وعلموا بالعدوان فلا ينكرو [ن] هـ.

وقال أبو البختري: أيّها الناس، قاتلوهم على دينكم ودنياكم!

وقال الشعبيّ: أيّها الناس، قاتلوهم ولا يأخذكم حرج من قتالهم، فو الله ما أعلم على بسيط الأرض أعمل بظلم ولا أجور في حكم منهم!

وقال سعيد بن جبير نحو ذلك.

وقال جبلة: احملوا عليهم حملة صادقة ولا تردّوا وجوهكم عنهم حتى تواقعوا صفّهم.

فحملوا حملة صادقة وضربوا الكتائب حتى أزالوها وفرّقوها. وتقدّموا إلى أن واقعوا صفّهم


(١) صفوريّة: قرب طبريّة بالأردنّ (ياقوت). والزرقاء لقب أمّ مروان بن الحكم والسمسا أرنب. وانظر أسفله ص ٢٠١ هـ ١. ولم يشرح ابن الأثير ٤/ ٤٧٢ حقيقة النبز.
(١*) في الكامل: ٤/ ٨٥: أجسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>