سنة أربع عشرة.
وقال الطبريّ: المجلود عبد الله بن عمر.
وقد روي عن سعيد بن مسروق أنّه قال: كانت امرأة تدخل منزل عمر رضي الله عنه ومعها صبيّ.
فقال عمر: من هذا الصبيّ معك؟
فقالت: هو من ابنك. وقع عليّ أبو شحمة، فهو ابنه- فأرسل عمر إليه فأقرّ، فقال لعليّ رضي الله عنه: اجلده! فضربه [٤٦ ب] عليّ خمسين.
فقال: يا أبتي قتلتني!
فقال: إذا لقيت ربّك فأخبره أنّ أباك يقيم الحدود!
قال أبو الفرج ابن الجوزيّ: هذا حديث موضوع، وضعه القصّاص فأبدوا فيه وأعادوا، وشرحوا فأطالوا.
وروي عن مجاهد أنّه قال: تذاكر الناس فضل عمر رضي الله عنه في مجلس عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما، فبكى ابن عبّاس وقال: رحمه الله رجلا لم تأخذه في الله لومة لائم: أقام الحدود كما أمر، لم يزدجر عن قريب لقرابته، ولم يجنف على البعيد لبعده. ولقد أقام الحدّ على ولده حتّى قتله.
بينما نحن عنده ذات يوم بالمسجد إذا بجارية قد أقبلت تتخطّى رقاب المهاجرين والأنصار، ومعها ولد تحمله، فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين، خذ هذا لولد، فأنت أحقّ به منّي.
قال: ومن أين؟
قالت: هو ولد ولدك أبي شحمة. مررت في بعض الأيّام لحاجتي عند حائط لبني النجّار إذا بصائح يصيح من ورائي فالتفتّ فإذا بابنك أبي شحمة يتمايل سكرا- وكان قد شرب عند سبكّة اليهوديّ- فجرّني إلى الحائط وتوعّدني فأغمي عليّ، فما أفقت إلا وقد نال منّي ما ينال الرجل من امرأته. ثمّ كتمت أمري عن أهلي، وإذا بي حامل، فوضعت هذا الغلام. فأردت قتله ثمّ تديّنت. وقد أتيتك به فاحكم بيني وبين ولدك بحكم الله.
فأمر عمر مناديه، فنادى معاشر المهاجرين والأنصار. فأقبلوا مسرعين. فقام وأتى بيت أبي شحمة، وأنا معه، فدخل عليه فقال: يا بنيّ، ما لي طاعة.
قال: بل طاعتان: طاعة الوالد وطاعة الخلافة.
قال: بالله، وبحقّي عليك، هل كنت ضيفا لسبكّة اليهوديّ فشربت عنده الخمر، وواقعت امرأة في وقت كذا؟
فقال: يا أبت، قد كان ذلك، وأنا تائب.
فقال عمر: التوبة رأس مال المذنبين- وقبض عمر على يده ولحيته، وجرّه إلى المسجد، فقال:
يا أبت، لا تفضحني على رءوس الناس! اقتلني ههنا!
فقال: أما سمعت قول الله تعالى: [٤٧ أ] وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور: ٢].
ثم جاء به المسجد، وأمر غلاما له يقال له أفلح فقال: انزع ثيابه وافعل ما آمرك به. اضرب مائة سوط، ولا تقصّر في ضربه!
فبكى أفلح وقال: ليتني لم تلدني أمّي حيث أكلّف ضرب ولد سيّدي!
فقال: اضربه!
وضجّ الناس بالبكاء والنحيب. وجعل الغلام يقول: «يا أبت، ارحمني! » وعمر يبكي ويقول:
يرحمك ربّك.
فلمّا ضربه السوط الأوّل قال الغلام: باسم الله.
فقال عمر: نعم الاسم سمّيت!