للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلمّا ضربه ثانيا قال الغلام: ما أمّره!

قال: اصبر كما عصيت.

فلمّا ضربه ثالثا قال: الأمان! الأمان!

فقال عمر: ربّك يعطيك الأمان.

فلمّا ضربه رابعا قال: وا غوثاه!

قال عمر: الغوث عند الشدّة.

فلمّا ضربه خمسا قال: الحمد لله.

قال عمر: حمد الله واجب.

فلمّا ضربه عشرا قال: يا أبت قتلتني.

قال: ذنبك قتلك.

فلمّا ضربه ثلاثين قال: أحرقت قلبي.

فقال عمر: النار أشدّ حرّا.

فلما ضربه أربعين قال: يا أبت، دعني أستريح أذهب على وجهي.

فقال: يا بنيّ، إذا أخذت حدّ الله منك فاذهب حيث شئت.

فلمّا ضربه خمسين قال: نشدتك بالقرآن لما خلّيتني.

فقال: بنيّ هلّا وعظك القرآن عن المعاصي؟

فلما ضربه ستّين قال: يا أبت أغثني!

فقال: إنّ أهل النار إذا استغاثوا لم يغاثوا.

فلما ضربه سبعين قال: يا أبت اسقني شربة من ماء.

قال: يا بني، إن كان الله يطهّرك فسيسقيك محمد صلّى الله عليه وسلّم شربة لا تظمأ بعدها أبدا.

فلمّا ضربه ثمانين قال: يا أبت، السلام عليك.

فقال: يا بنيّ، إذا لقيت محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فاقرأه مني السلام وقل له: خلّفت عمر يقرأ القرآن ويقيم الحدود.

فلمّا ضربه تسعين ضعف وانقطع كلامه. فوثب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: يا أمير المؤمنين، أخّر ما بقي إلى وقت آخر!

فقال عمر: كما لم تؤخّر المعصية لا تؤخّر العقوبة!

وبلغ أمّ الغلام فجاءت صارخة تقول: يا عمر، [٤٧ ب] أحجّ بكلّ سوط حجّة ماشية وأتصدّق بكذا وكذا درهما.

فقال عمر: الحجّ والصدقة لا ينوبان عن الحدّ.

فضربه مائة، فمات الغلام. فجعل عمر رأسه في حجره وجعل يبكي ويقول: يا من قتله الحقّ، بأبي من لم يرحمه أبوه ولا أقاربه!

فضجّ الناس بالبكاء والنحيب.

وجاء حذيفة بن اليمان رضي الله عنه بعد ذلك فقال: يا أمير المؤمنين، رأيت الغلام في المنام، وعليه حلّتان خضراوان وهو مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا حذيفة، اقرأ على عمر منّي السلام، وقل له: هكذا أمرك ربّك أن تقرأ القرآن وتقيم الحدود. وقال الغلام: قل لأبي:

طهّرك الله كما طهّرتني.

والوضع على هذا الحديث لائح.

وذكر الزبير بن بكّار أنّ عبد الرحمن الأوسط من أولاد عمر كان يكنّى أبا شحمة. وعبد الرحمن هذا كان بمصر، فخرج غازيا، واتّفق أنّه شرب نبيذا فسكر، فجاء إلى عمرو بن العاص فقال:

«أقم عليّ الحدّ» فامتنع فقال له: «إنّي أخبر أبي إذا قدمت عليه». فضربه عمرو الحدّ في داره ولم يخرجه. وبلغ عمر فكتب إلى عمرو يلومه في مراعاته عبد الرحمن ويقول له: ألا فعلت به ما يفعل بجميع المسلمين؟

فلمّا قدم على عمر ضربه. واتفق أنّه مرض فمات.

<<  <  ج: ص:  >  >>