للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجمهرة والعدد والبيت والخلافة، ولا عقب لعبد الله بن عبّاس إلّا منه. وكان إماما عالما محدّثا زاهدا يصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة- ويقال:

ألف سجدة.

وولد [له] أبو عبد الله محمد بن عليّ، وهو ذو الثفنات، شبّه أثر السجود بجبهته وأنفه ويديه بثفنات البعير. وكان بينه وبين أبيه أربع عشرة سنة وأشهر (١). فلمّا شابا خصّب علي بالسواد، وخضّب محمد بن عليّ بالحنّاء فلم يكن يفرّق بينهما إلّا بخضابهما لتشابههما وقرب سنّ بعضهما من بعض.

وكان عليّ أثيرا عند عبد الملك بن مروان، كريما عليه، حتّى طلّق عبد الملك «أمّ أبيها» (٢) بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فتزوّجها عليّ، فتغيّر له وثقل عليه فبسط لسانه بذمّه وقال:

إنّما صلاته رياء.

وكان الوليد بن عبد الملك سمع ذلك من أبيه، فلمّا ولي الخلافة أقصاه وشتمه. فرأى عبد الملك في منامه يقول له: يا هذا، ما تريد من علي بن عبد الله؟ قد ظلمته. والله لا يبتزّكم أمركم ولا يسلب ملككم إلّا ولده!

فازداد بذلك بغضه له، وتجنّى عليه حتى ضربه بعد ما أقامه في الشمس، وصبّ عليه الزيت فوق رأسه، وألبسه جبّة صوف وحبسه. وجعل يخرجه كلّ يوم فيقام في الشمس. وكتب إلى الآفاق بأنّ عليّ بن عبد الله قتل أخاه سليطا. ثم أمر أن ينفى إلى دهلك (٣). فكلّمه أخوه سليمان بن عبد الملك

فيه وسأله ردّه. فأرسل من يحبسه حيث لحقه، وأذن له أن ينزل الحجر (١*).

فلمّا هلك الوليد وولي سليمان بن عبد الملك الخلافة بعده. ردّ عليّ بن عبد الله إلى دمشق.

وكان يروي أثرا في نزول الشّراة (٢*) فانتقل إليها، ونزل الحميمة.

وكان يوما عنده ابنه محمد بن عليّ، وأبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفيّة، فقال: يا أبا هاشم، إنّ أهل المغرب يؤمّلونك. وقال [٦٤ ب] لابنه محمد بن علي: «إنّ أهل المشرق يلومونك». ثم نظر إلى حمار بين شجرتين فقال: والله لا تليان حتى يلي هذا الحمار! كبرتما عن سنّ صاحب هذا الأمر.

وتوفّي علي بالحميمة سنة ثماني عشرة ومائة.

وكانت الشيعة تروي أنّ الإمام محمد بن علي، فتظنّ أنّه ابن الحنفيّة. فلمّا مات ابن الحنفيّة قالوا:

الإمام ابنه أبو هاشم عبد الله بن محمد. فلمّا سمّ أبو هاشم في طريقه وهو يريد الحجاز عدل إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عبّاس بالحميمة فأوصى إليه وأعطاه كتبه وجمع بينه وبين قوم من الشيعة فقال: «إنّا كنّا نظنّ أنّ الإمامة والأمر فينا.

فقد زالت الشّبهة وصرّح اليقين بأنّك الإمام وأنّ الخلافة في ولدك. فعليك بالكوفة فإنّ فيها شيعتك وأهل مودّتك. واجتنب الشام، فليس يحتمل دعاتك ولا يصلح لهم. وعليك بخراسان! ».

فوجّه إلى خراسان رجلا وأمره أن يدعو إلى الرضى من آل محمد ولا يسمّي أحدا.

ويقال إنّه قال له: إنّي ميّت، وقد صرت إليك.

وهذه وصيّة أبي، وفيها أنّ الأمر صائر إليك وإلى


(١) انظر مناقشة ابن خلّكان لهذا الفارق في ترجمة محمد بن عليّ ٤/ ١٨٧ (٥٦٨).
(٢) المعارف، ٢٠٧.
(٣) دهلك: وهي جزيرة في بحر عيذاب بالقرب من سواكن. كان الخلفاء يحبسون بها من نقموا عليه-
- (وفيات ٦/ ٣٠٠).
(١*) الحجر: منازل ثمود بوادي القرى.
(٢*) الشراة: انظر أسفله ص ٧٩ هـ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>