للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بجيرفت (١) من كرمان- وكلّم نصرا مرّة بعد مرّة فأغلظ له حتى أمر بحبسه. فأخرجه غلام له من مجرى ماء وهو متسلّح، فاجتمعت إليه اليمن وربيعة. فلم يزل نصر يحاربه. ثم انفرد بمحاربته الحرث بن سريج (٢) بن يزيد المجاشعيّ فقتله الحرث وصلبه نصر بن سيّار وعلّق معه سمكة يعيّره بعمان وصيد السمك.

فقام علي بن جديع مقام أبيه فقاتله الحرث بن سريج فقتل الحرث (٣).

وقيل: إنّ الحرث قاتل جديع بن سعيد فقتله جديع. ثمّ وثبت تميم وفيهم حاتم بن الحرث بن سريج فقتلوا جديعا.

فكان تشاغل نصر بن سيّار بهذه الحروب فرصة انتهزها أبو مسلم. فقوي فيها أمره حتى أظهر دعوته في شعبان سنة تسع وعشرين ومائة، وكانت من قرب ومن بعد، وأمر أصحابه بإظهار أمرهم والدفع عن أنفسهم وتجريد السيوف وجهاد أعداء الله. فأتاه في ليلة واحدة أهل ستّين قرية. فعقد اللواء الذي بعث به الإمام- ويقال له: الطّلّ- على رمح طوله أربع عشرة ذراعا (٤)، وعقد الراية التي بعثها الإمام أيضا- وتدعى «السحاب» - على رمح ارتفاعه ثلاث عشرة ذراعا، وهو يتلو قول الله سبحانه: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج: ٣٩]. ولبس السواد هو والدعاة ومن أجابهم، وأشعلوا النيران، وذلك في

ليلة الخميس لخمس بقين من شهر رمضان [سنة ١٢٩] وهو يومئذ بقرية من قرى مرو. فاجتمع الناس إليه في يوم الخميس [و] قد استعدّوا.

وتأوّل أبو مسلم الطلّ والسحاب بأن السحاب يطبّق [٦٩ ب] الأرض، فكذلك دعوته تطبّق الأرض، وأنّ الأرض كما أنها لا تخلو من الطلّ فكذلك لا تخلو من خليفة عبّاسيّ آخر الدهر.

وقدمت الدعاة عليه بمن أجاب الدعوة فحصّن قريته وسدّ دروبها.

وأتاه سليمان بن كثير في يوم عيد الفطر فصلّى به وبالشيعة، ونصب له منبرا في عسكره، وبدأ بالصلاة قبل الخطبة من غير أذان ولا إقامة وكبّر ستّا تباعا، ثم قرأ وركع، وكبّر في الثانية خمسا، ثم قرأ. وافتتح خطبته بالتكبير وختمها بالقراءة، على ما رسمه لهم الإمام، وهو سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخالف بذلك ما أحدثه بنو أميّة من تقديم الخطبة على الصلاة، ومن تكبيرهم أربعا في الأولى وثلاثا في الثانية بعد القراءة.

فلمّا قضى سليمان بن كثير الصلاة والخطبة؛ انصرف أبو مسلم والشيعة إلى طعام قد أعدّه فأكلوا واستبشروا بنصر الله وتأييده.

ثم كتب أبو مسلم إلى نصر بن سيّار يدعوه، وتعاظم في مكاتبته، فندب نصر لقتاله عسكرا، فأخرج لهم أبو مسلم طائفة من أصحابه فهزموهم وقتلوا منهم. وكان الكرمانيّ لمّا قتل قام بأمر عسكره ابنه عليّ بن جديع، وأظهر خلع مروان [بن محمد]، فانضمّ إليه خلق كثير.

هذا وقد سار شيبان الصغير ابن عبد العزيز الخارجيّ من سجستان إلى خراسان، فكتب إليه عليّ ابن الكرمانيّ: إنّك ونحن خالعون لمروان، فصر إلى التجمّع على محاربة أوليائه أولياء الشيطان.


(١) جيرفت: من أعيان مدن كرمان (ياقوت).
(٢) يدقّق ابن الأثير ٤/ ٢٠٣: ابن سريج «بالسين المهملة والجيم».
(٣) قتل الحرث وصلب سنة ١٢٨ (الكامل ٤/ ٢٩٤ - الطبري ٦/ ٢). وفي المخطوط: ابن شريح، وأخذنا بقراءة الطبريّ ودائرة المعارف الإسلامية، ٣/ ٢٣٠ ب.
(٤) هكذا في المخطوط بتأنيث الذراع. ولعلّها تعامل كجملة الأعضاء المثناة في بدن الإنسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>