للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال لسلم مولى قحطبة ولأسد بن المرزبان:

إنّ رجلا يأتيني الليلة. فإن قمت وتركته فاقتلوه، فإنّه يحاول فساد ما نحن فيه.

فلمّا صار أبو العبّاس إليه ناظره. فغضب أبو سلمة وأراد القيام فتعلّق أبو العبّاس بثوبه وضاحكه، ثم خرج فركب ولم يعرض له. فلمّا لقي أبو العبّاس أهل بيته حدّثهم حديثه وقال: والله ما أفلتّ منه حتّى ساعدته على ما يريد، وإنّه لعلى صرف الأمر عنّا.

فقال داود بن عليّ: الرأي أن نرجع إلى المدينة.

وقال عبد الله بن عليّ: اخرج فأعلم الناس أنّك ههنا.

وخرج صالح بن الهيثم رضيع أبي العبّاس ومعه مولى لهم أسود يقال له سابق (١)، فلقيهما أبو حميد السمرقندي (٢) فعرفهما لأنّه كان يأتي الإمام، فقال لصالح: ألست رضيع ابن الحارثيّة؟

وقال لسابق: ألست مولى الإمام؟

فقالا: بلى.

فقال: فما تصنعان ههنا؟

قالا: أبو العبّاس ابن الحارثيّة ورجال من أهل بيته بالكوفة منذ كذا وكذا.

فأتى أبو حميد أبا الجهم بن عطيّة بهما، فصار معهما إلى بني أود في جماعة، ثم دخل دار الوليد (٣) فقال: أيّكم أبو العبّاس عبد الله ابن الحارثيّة؟

فقالوا: هو هذا.

فسلّم عليه أبو الجهم بالخلافة، ثم بكى.

فقالوا له: تركنا أبو سلمة هنا، وأنتم حضور فلم يعلمكم خبرنا.

وبعث أبو الجهم إلى وجوه الناس، فأتاه عبد الحميد بن ربعيّ، وإبراهيم بن سلمة، وشبيب بن واج في جماعة، فسلّموا على أبي العبّاس بالخلافة وبايعوه. فبلغ الخبر أبا سلمة فسقط في يده. ثم أتى أبا العبّاس فسلّم عليه بالخلافة، فقال له أبو حميد: على رغم أنفك يا ابن الخلّال.

فقال أبو العبّاس: منه!

وجعل أبو سلمة يقول: إنّما أردت إظهار أمير المؤمنين [٧٣ أ] بعد أن أحكم له الأمور.

ومنع أبو الجهم وأصحابه أبا سلمة من الدخول على أبي العبّاس إلّا وحده. وأتى أبو العبّاس ببرذون أبلق، وأتى أهل بيته بدوابّ، فركب وركبوا، وداود بن عليّ يسايره، وهو عن يساره.

فجعل الناس يقولون لداود: «هذا أمير المؤمنين» وهم لا يعرفونه. فقصّر دون أبي العبّاس حتى عرف أنّه الخليفة. وكان أبو الجهم وعبد الله بن بسّام يمشيان بين يديه، وأبو سلمة يسير خلفه على فرس، والوجوم يتبيّن فيه.

وصار أبو العبّاس إلى المسجد فصعد المنبر وصعده داود بن علي فصار دونه بمرقاة، فخطب أبو العبّاس فقال: الحمد لله الذي اصطفى الإسلام دينا لنفسه فكرّمه وشرّفه وعظّمه، فاختاره لنا وأيّده بنا وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوّام به والذابّين عنه والناصرين له، وألزمنا كلمة التقوى، وجعلنا أحقّ بها وأهلها. خصّنا برحم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقرابته، ونسلنا من آبائه، وأنشأنا من شجرته، واشتقّنا من نبعته، وجعلنا من أنفسه فوضعنا من


(١) سابق الخوارزمي (الطبري ٨١ - الكامل ٣٢٣).
(٢) أبو حميد محمد بن إبراهيم الحميري (الكامل) الطوسيّ (مروج ٢٣١٥).
(٣) لم يذكر المقريزي صاحب الدار فيما سبق. انظر ص ٩١ هـ ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>