للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يرجع إلى قوله ورأيه، فكتب إليه بأن يشير عليه بإنفاذ ابن ماهان لحربهم. وقصد بذلك أنّ ابن ماهان كان لمّا ولي خراسان في أيّام الرشيد أساء السيرة في أهلها وظلمهم فعزله عنها. لذلك فإنّ أهل خراسان أبغضوه ونفروا عنه. فأراد أنّه إذا سار إليهم ازداد الخراسانيّون جدّا في محاربته. ففعل الرجل ما أمره به ذو الرئاستين، حتى أمر الأمين ابن ماهان بالمسير.

وقيل: بل سبب ذلك أنّ عليّا قال للأمين: «إنّ أهل خراسان كتبوا إليّ يذكرون أنّه إن قصدتهم أطاعوني وانقادوا إليّ، وإن كان غيري، فلا».

فأمره بالمسير، وأقطعه كور الجبل كلّها: نهاوند، وهمذان، وقمّ، وقاشان وغير ذلك، حربها وخراجها. وأعطاه الأموال وحكّمه في الخزائن، وجهّز معه خمسين ألف فارس. وكتب إلى أبي دلف القاسم بن عيسى بن إدريس العجليّ، وهلال بن عبد الله الحضرميّ بالانضمام إليه.

وأمدّه بالأموال والرجال شيئا بشيء. فلمّا عزم على المسير من بغداد، ركب إلى باب زبيدة أمّ الأمين ليودّعها. فقالت له: يا عليّ، إنّ أمير المؤمنين، وإنّ كان ولدي [و] إليه تناهت شفقتي، فإنّي على عبد الله متعطّفة لما يحدث عليه من مكروه وأذى. وإنّما ابني ملك نافس أخاه في سلطانه، والكريم يأكل لحم أخيه ويمنعه غيره.

فاعرف لعبد الله حقّ ولادته، وأخوّته، ولا تجبهه بالكلام. فإنّك لست بنظير له، ولا تقتسره اقتسار العبيد. ولا توهنه بقيد ولا غلّ. ولا تمنعه جارية ولا خادما، ولا تعنف عليه في السير ولا تساوه في المسير، ولا تركب قبله، وخذ بركابه. فإن شتمك فاحتمل منه.

ودفعت إليه قيدا من فضّة وقالت له: إن صار إليك فقيّده بهذا القيد.

فقال: سأفعل ما أمرت به.

ثم سار في شعبان، وركب الأمين ليشيّعه ومعه القوّاد والجنود، فلم ير ببغداد عسكر قبله أكثر رجالا ولا كراعا منه. ووصّاه الأمين إن قاتله المأمون أن يحرص على أسره، ومضى.

فبلغه أنّ طاهرا مقيم بالريّ والأمداد تأتيه من خراسان [١١٨ ب] وهو يستعدّ للقتال. فقال: «إنّما طاهر شوكة من أغصاني، وما مثل طاهر يتولّى الجيوش». ثم قال لأصحابه: ما بينكم وبين أن ينقصف انقصاف الشجر من الريح العاصف إلّا أن يبلغه عبورنا عقبة همذان، فإنّ السخال (١*) لا تقوى على النطاح، والبغال لا صبر لها على لقاء الأسد.

وإن أقام تعرّض لحدّ السيوف وأسنّة الرماح. فإذا قاربنا الريّ ودنونا منهم فتّ ذلك في أعضادهم.

ثمّ أنفذ الكتب إلى ملوك الديلم وطبرستان وما والاها يعدهم الصّلات وأهدى لهم التيجان والأساورة وغيرها، وأمرهم أن يقطعوا طريق خراسان. وسار حتّى أتى أوائل الريّ، وهو قليل الاحتياط. فأشار عليه أصحابه بإذكاء العيون وعمل الخندق على عسكره وإرسال الطلائع خوف البيات، فقال: مثل طاهر لا يستعدّ له. وإنّ حاله يؤول إلى أحد أمرين: إمّا أن يتحصّن بالريّ فيثب به أهلها فيكفوننا أمره. وإمّا أن يرجع ويتركها إذا قربت خيلنا منه.

فقالوا: لو كان عزمه تركها والرجوع لفعل، فإنّا قد قربنا منه.

فلم يلتفت إلى قولهم. فلمّا صار بينه وبين الريّ عشرة فراسخ، استشار طاهر أصحابه، فأشاروا عليه أن يقيم بالريّ ويدافع القتال إلى أن يأتيه المدد من خراسان، أو يصل قائد يتولّى


(١*) السخال: أولاد الغنم.

<<  <  ج: ص:  >  >>