التكلّف. فإنّ الله قال: وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص: ٨٦].
قال: دعاه بأمر الله.
قال: فهل يأمر الله أن يدعى من لا يجوز عليه حكم؟ وكيف يدعو النبيّ الصبيان، وهم إن ارتدّوا لم يكن عليهم شيء؟
وإنّما هذه فضيلة فضّل الله بها عليّا حين دعاه النبيّ، ولم يبلغنا أنّه دعا الصبيان.
ثم قال المأمون: أيّ الأعمال كانت أفضل بعد الإسلام؟
قال: الجهاد.
قال: فهل تجد لأحد من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك مثل ما لعليّ؟ إنّ قتلى بدر من المشركين نيف وستّون رجلا قتل عليّ منهم ثلاثة وعشرين أو اثنين وعشرين.
قال المناظر: كان أبو بكر مع النبيّ في العريش.
قال المأمون: يصنع ماذا؟
قال: يدبّر.
قال: ويلك! دون النبيّ أو شريكا معه، أم افتقارا من النبيّ إلى رأيه؟
قال: أعوذ بالله أن يدبّر أبو بكر دون النبيّ أو يكون معه شريكا أو يفتقر النبيّ إلى رأيه.
قال: فما الفضيل بالعريش؟ أليس من ضرب بسيفه بين يدي النبيّ أفضل ممّن هو جالس؟
قال: يا أمير المؤمنين، كلّ الجيش كان مجاهدا.
قال: صدقت. ولكنّ المحامي أفضل من الجالس. أو ما كان لأبي بكر وعمر فضل على من لم يشهد ذلك المشهد؟
قال: نعم.
قال: فكذلك سبق الباذل نفسه أبا بكر وعمر.
يا هذا، فيمن نزل هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً إلى قوله: وَيَتِيماً وَأَسِيراً [الإنسان:
١ - ٨].
قال: في عليّ.
قال: هل وصف الله أحدا بمثل ما وصف به عليّا؟
قال: لا.
قال: صدقت، لأنّ الله علم سريرته. هل تروي يا هذا حديث الطير (١*)؟
قال: نعم.
قال: فمن علم أنّه صحيح، ثم زعم أنّ أحدا أفضل من عليّ لم يخل من أحد ثلاثة: أن تكون دعوة النبيّ مردودة. أو يقول إنّ الله علم الفاضل وكان المفضول أحبّ إليه. أو: لم يعلم الله الفاضل من المفضول.
قال: يا أمير المؤمنين إنّ لأبي بكر فضلا.
قال: وما هو؟
قال: قول الله ثانِيَ اثْنَيْنِ [١٤٠ أ] إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة: ٤٠] فنسبه إلى صحبته.
فقال: قد نسب الله تعالى إلى صحبته من رضيه، ومن رضي عنه كافرا وهو قوله: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ [الكهف: ٣٧].
قال: إنّ ذاك كان كافرا، وأبو بكر مؤمن.
(١*) في الحاشية: هذا الحديث يرويه أنس أنّ النبيّ كان عنده طائر، فقال: اللهمّ ائتيني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير- فجاء أبو بكر فردّه، وجاء عمر فردّه، ثمّ جاء عليّ فأذن له.