للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طريقا للورود إلى الماء لا يتجاوزون حدّها، فامتنعوا من ذلك وقتلوا من أسروا من أصحابه.

فشقّ عليه فعلهم وعاد إلى أصحابه واستنفر الناس فاجتمعوا إليه وحلفوا له. فأمرهم بإحضار آلة المعدن. فلمّا حضرت أمر بضربها حرابا. وسار إلى النوبة في غفلة [١٦٤ ب] منهم فوقع بموضع يعرف بشنقير قبليّ مدينة دمقلة بنحو من شهرين.

والنيل ينعطف في هذا الموضع إلى مطلع الشمس حتى يصير بينه وبين الشنكة بعض نهار يوم، ثمّ يعود النيل إلى الغرب ويرجع إلى الشرق. فبهذا التعطّف طالت المسافة على سالك النيل. وقد تركت النوبة هذه العطوف وجعلت طريقها المجادب فصارت تقطع مسيرة شهر في يومين.

فنكى العمريّ في النوبة وقتل منهم مقتلة عظيمة، وكثر السبي عند أصحابه حتى إنّ أحدهم كان يحلق رأسه فيعطي المزيّن (١) رأسا. وانحازت النوبة إلى الغرب بالمراكب بجميع ما لهم. فاختار العمري جماعة من أصحابه وأمرهم بنفخ القرب والعبور عليها ليلا. وكبس النوبة وأخذ المراكب منهم.

واتّفق أنّ واحدا من أصحابه قال بعد ما وصل إلى الغرب: «يا قوم أخرجوني من الماء، فإنّ التمساح قطع رجلي! » وكان قد أتى عليه وهو سائر فخشي أن يفسد أصحابه عن عزمهم. فصبر حتى وصلوا إلى حيث النوبة.

وأوقع القوم بالنوبة فظفروا ووصلوا إلى الجزائر والغرب بالمراكب التي أخذوها.

وكتب العمريّ إلى أسوان يسأل التجّار الخروج إليه بالجهاز من طريق المعدن. فخرج إليه رجل

يعرف بعثمان بن حجلة (١*) التميميّ في ألف راحلة فيها الجهاز والبرّ. فقام إليه العمريّ وتلقّاه وسرّ بذلك. وكثر رقيقهم بأسوان والمعدن حتى صار أكثر سراريّ أهل البلد من سبي النوبة وعرفوا بالهيكات (٢*) لرخصهنّ.

وكان ملك النوبة حينئذ قيرقي بن زكريا بن بحنس فندب لقتال العمريّ نيوتي بن قشما، وكان شجاعا، ودفع إليه أكثر رجاله، فوقعت بينهما وقائع وحروب يطول شرحها.

ثم إنّ نيوتي صالح العمريّ على أن يكون في ناحية من البلد ولا يهيجه، وخالف خاله قيرقي.

فبعث قيرقي بولده الأكبر لمحاربة العمريّ فعجز عنه وهزمه مرارا. فانحاز إلى بلد علوة واستجار بمتملّك علوة أربع سنين لأنّه أقام ببلدهم إلى أن خرج سبع سنين، فأنجده صاحب علوة.

وكان لقيرقي ابن آخر اسمه زكريا فأشار عليه بموادعة العمريّ ومحاربة ابن قشما وأن يندبه لذلك. فسلّم إليه جيشه وبعثه إلى ابن قشما بعد أن أرسل إلى العمري ألّا يدخل بينهما، فأجابه إلى ذلك. فتحاربت النوبة محاربات كثيرة، وقد أمرهم العمري أن يخندقوا على عسكره. فانتصر ابن [١٦٥ أ] قشما على زكريا وهزم أصحابه وقتلهم، وفرّ زكريا حتى رمى بنفسه في النيل على فرس، وصار إلى المشرق ومعه غلامان، فخاف من العمريّ وابن قشما، ورأى أنّ العمريّ أخفّ عليه، فأتاه واستأذن عليه يقول إنّه غلام لزكريا فأذن له.

فلمّا دخل إليه سأله عن حاله وخبر زكريا فعرّفه هزيمته وما قتل من رجاله، وأنّه من غلمانه رغب


(١) المزيّن: الحلّاق، وكأنّها كلمة مصريّة منذ وقت المقريزيّ.
(١*) في الخطط ١/ ١٩٩ عثمان بن حيخلة.
(٢*) العكيات أو الهكيات: لم نجدها في المعاجم بهذا المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>