للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في الكون معه. فأنزله وأحسن إليه، فطلب منه خلوة. فلمّا خلا به أعلمه أنّه من وجوه غلمان زكريا وثقاته، وأنّه أنفذه ليأخذ له أمانا ليصير إليه ويكون في جملته. فسرّ العمريّ بذلك وأوثقه من نفسه أيمانا كما طلب. فلمّا توثّق منه أعلمه أنّه زكريا فازداد سرورا وإعجابا به لما ظهر من عقله على صغر سنّه.

وأقام زكريا على ذلك مدّة حتّى أنس إليه، وعرف رجال العمريّ فاختلط بهم. وافتقد دفاتر كانت لهم فوجدها بحالها لم يعلم بها المسلمون، فأطلع العمريّ عليها وسلّمها إليه. ومضى إلى مواضع أخرى فأخرج ما فيها ودفعه إليه أيضا، فملك بذلك قلبه واستولى عليه.

فلمّا عرف زكريا أنس العمريّ إليه وثقته به سأله معاونته على ابن قشما وقال له: عدوّي وعدوّك.

وإن أظفر الله به رجعت النوبة إلى طاعتي واجتمعت إليّ فصرت بهم إليك وتصرّفت عن أمرك في الأعاجم، وما بعد منك وما بيدك يكون بحاله، وأزوّجك من أختي زوجة ابن قشما بعد قتله لأنّ أبي شيخ كبير قد كبرت سنّه.

وما زال يخدعه حتى انقاد إليه وقال له: لو كان هذا الذي تطلبه من قبل ابن قشما لك خاصّة لساعدتك عليه لقصدك لي وركونك إليّ وكونك في جملتي، فكيف وهذه إرادتي وصلاح شأني؟

فأنّى لي بالذي تذكره مع شجاعته وكثرة من معه؟

قال له زكريا: أحتال عليه وأغتاله.

قال له العمريّ: اعمل ما بدا لك.

فاختار زكريا من أصحاب العمريّ أربعة من شجعان العسكر ووجوهه كان بعث بهم العمري إلى ابن قشما مرارا فصار يأنس بهم، فأمرهم العمريّ بمساعدته. ثمّ سار بهم زكريا في زورق خفيف في النيل بعد أن وعدهم ومنّاهم. وقال: إن قتلتم ابن قشما أعطيتكم وزنه ذهبا لكلّ رجل منكم.

فلمّا قرب منه أمرهم أن يقيّدوه ولقّنهم ما يقولونه. فنزلوا جزيرة محاذية لابن قشما وراسلوه بأن يقرب منهم بحيث يسمع كلامهم ففعل. ثم قالوا: إنّ الشيخ الصالح- يعنون العمريّ- يقرأ عليك السلام ويقول لك: إنّ الله قد أمكن من عدوّي وعدوّك، وإنّي قد راسلتك في أمره جوابا عن رسالتك تسأل أن أسلّمه إليك، وتعطيني من المال كذا، ومن الرقيق كذا. وقد وجّهت بذلك مع فلان [١٦٥ ب] وفلان إذ كانوا ثقاتي وأنت تأنس إليهم، فعزّر (١*) الأمر معهم وخذه إليك وادفع إلى القوم ما توافقتم عليه، وعلى أن يكون بيننا من الشرط كذا وكذا.

فقال: «قد رضيت» وذكر لهم ما يدفعه. فقال لهم زكريا: «امتنعوا عليه» فأخذ ابن قشما يزيدهم حتى تقرّر الأمر بينهم. فأمرهم زكريا بإجابته.

وكان قد نظر لهم في الكتف (٢*) رجل مغربيّ فقال لهم: إن جاءكم ماشيا لم تصلوا إليه، وإن جاءكم محمولا قتلتموه.

قال ابن قشما: أريد أن أراه قبل الدفع.

قالوا له: «افعل فانزل إلى القارب محمولا» - ليصحّ ما قال صاحب الكتف- وتبعه جماعة من أصحابه.


(١*) عزره على الأمر (وزن ضرب): أوقفه عليه. وعزّر الأمر هنا: قدّره. وقد تقرأ الكلمة: فقدّر.
(٢*) علم الأكتاف: التنبؤ بالمستقبل بالنظر في عظم الكتف (دوزي).

<<  <  ج: ص:  >  >>