للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قالوا: نحن أربعة، وتأتينا بجماعة كأنّك تريد أن تقهرنا عليه وتأخذه بلا عوض.

فأمر أصحابه بالرجوع وخرج في قلّة إلى الجزيرة. وبسط له، ونصب له كرسيّ. وأمر زكريا أصحابه بحمله ووضعه بين يدي ابن قشما، وقال:

«أشاغله بالكلام، فإذا اطمأنّ فافتكوا به». وجعل زكريا العلامة بينهم البكاء.

فلمّا وضع زكريا بين يدي ابن قشما نقف (١) رأسه بقضيب ذهب كان في يده وقال: الحمد لله الذي أمكن منك!

قال له: يا عمّ، قد قدرت فاعف عنّي وأحسن الظفر! فإنّ هؤلاء المسلمين غدروا بي ورغبوا إلى العوض.

فجعل ابن قشما يعدّد عليه قبائح أفعاله، وزكريا يعتذر وهو لا يقبل منه. ثمّ إنّه بكى.

فوضع (٢) الجماعة على ابن قشما وقتلوه للوقت، وأخرجوا زكريا من القيد، فسار إلى عسكر ابن قشما ونادى فيه بأنّ الله قد غفر لكم ما سلف.

وأحضر وجوه العسكر فاستمالهم وأسرّ إليهم الغدر بالعمريّ وبالأربعة الذين معه.

ثم استدعى الأربعة وشكرهم بحضرة أصحابه وأمر بالإحسان إليهم، فلم يبق أحد من الوجوه حتّى برّهم. وصار بهم إلى أخته زوجة ابن قشما وأعلمها بحضرتهم أنّه يريد تزويجها من العمري فرضيت، ودفع إليها معجّلا عنه. وأمرهم فكتبوا بما جرى إلى العمريّ، وكتب هو أيضا بذلك، وأنّه سائر نحوه بالعسكر، وسأله أن يعدّ لهم النزل، ولوجوه العسكر الخلع والبرّ. وبعث بالكتب مع غلام لأحد الأربعة. فسرّ العمري

بذلك، وتقدّم بإعداد ما طلب زكريا.

ثم إن زكريا بدأ بقتل الأربعة، وعبر بالجيش إلى الشرق يريد العمريّ حتى قرب منه. فقال رجل للعمريّ: إنّ هذا الكافر قد صار معنا بأرض واحدة [١٦٦ أ] وهو في ما لا طاقة لنا به.

فقال: على هذا وافقني: أن يسير بالجيش إليّ ويكون في طاعتي.

ثم إنّ زكريا هجم على القوم وهم غارّون فقتل منهم مقتلة عظيمة، وانهزم العمري وأصحابه، وتركوا جميع ما معهم لا يلوون على شيء منه.

وانحدر من كان في الجزائر منهم في مراكب فكانوا يبيتون بها ويحمل إليهم الطعام من الجزائر. فدسّ إليهم زكريا رجلا مشهورا بمعرفة طرق الجنادل (١*) فأخذه العمريّ وأحسن إليه ودفع إليه ما لا على أن يجوز بهم الجنادل. فأمرهم بشدّ المراكب بعضها إلى بعض وركب في أولاها وسار بهم فسلك طريقا غير مسلوكة حتى وقعوا في الهلكة [ف] تركهم ونجا بنفسه عوما في البحر، فغرق الجميع.

وقدم على زكريا (٢*) فأقطعه مواضع وقفت عليه وعلى عقبه. وتلف جميع ما بقي لهم من السلاح والرجال فضعفوا ولم يتمكّنوا من الإقامة.

وكان العمريّ بعد الوقعة الأولى قد تحابى (٣*) وتراجع إليه أصحابه حتى هابته النوبة. وكتب إليه


(١) نقف رأسه: ضربه يسيرا.
(٢) هكذا في المخطوط، ولعلّها: وثب.
(١*) الجنادل بأسوان: وهي حجارة ناتئة في وسط النيل. وهي موضع قرب أسوان بثلاثة أميال في أقصى صعيد مصر قرب بلاد النوبة (ياقوت). وفي المروج ١/ ١٤٤:
الجنادل والصخور بين أسوان والحبشة ٢/ ٧٣.
(٢*) زكريا بن قرقي: خليفة أبيه قرقي ملك النوبة (اليعقوبي:
بلدان ٣٣٤).
(٣*) في المخطوط: تحابا بالمدّ، واخترنا القصر من حبا يحبو: ساروا إليه ببطء.

<<  <  ج: ص:  >  >>