للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومضى شعبة على وجهه إلى الفسطاط: فأنّبه أحمد بن طولون وقال: أسأت وأخطأت. كنت أمهلته وكتبت إلينا بخبره على صحّة لنرى فيه رأينا، لكنّك بغيت عليه فنصر عليك.

وأهمل أحمد بن طولون أمره.

وأمّا العمريّ فإنّه سار إلى قرية بحريّ أسوان يقال لها أدفو (١) وعبر منها إلى الشرق. وكانت له بأسوان وقعة مع واليها بعد شعبة.

ثم دخل المعدن وجرت له حروب أعظم من الأولى مع ربيعة ثمّ عاود إلى المعدن في سنة خمس وخمسين ومائتين وعلى ربيعة رجل يعرف بأشهب بن ربيعة من بني حنيفة بن لجيم بن مصعب، شيعيّ، وآخر يعرف بناس بن روح، وآخر يعرف بمحمد بن صريح على حيّ قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن [١٦٧ أ] علي بن بكر بن وائل وحلفائهم (٢) -، وعلى الجهنيّين رجل يعرف بعثمان بن سعدان، وعلى الشاميّين رجل من سعد العشيرة ورؤساء دون هؤلاء. فكثرت العمارة حتّى صارت الرواحل التي تحمل الميرة إليهم من أسوان ستّين ألف راحلة غير الجلاب (٣) التي تحمل من القلزم إلى عيذاب.

وعرض أحمد بن طولون لمنع ذلك بسبب العمريّ فكتب إليه أنّه في مائة ألف أو يزيدون، فترك الاعتراض. ووقع بين المسلمين المنافسة والمنازعة والحروب، ومالت البجّة إلى ربيعة واتّفقت معهم وتزوّجوا إليهم. فخرج أخ للعمري من أمّه يعرف

بإبراهيم المخزوميّ إلى عيذاب ليمتار فاعترضته البجّة فقتلته ومن معه. فغضب لذلك العمريّ وكتب إلى ربيعة يسألهم الإنصاف من البجّة أو التخلية بينه وبينهم، فدافعوه عن الحالين فاستدعى مضر إلى حربهم فشردوا عنه. وعبر بنو هلال النيل إلى الغرب، وأقام بنو تميم شرقيّ النيل، واعتزلت المغاربة فلم يبق مع العمريّ إلّا القليل، فقال في ذلك بعض بني نمير من أبيات [الطويل]:

أبعد أبي إسحاق ذي الجود والندى ... تنامون والدنيا به قد تولّت؟

وبعد رجال قتّلت مضريّة ... عليها جباب الخزّ بالدم بلّت

فإن لم تثوروا عاجلا بدمائهم ... فنسوانكم عنكم بحقّ تخلّت

جزى مضرا شرّ الجزا عن أخيهم ... كما قلّدته أمرها ثمّ ولّت

فقام بها محض الضرائب ماجد ... كفى مضرا ما ضيّعت وأضلّت

وكانت تميم مرّة خندفيّة ... فأضحت تميم عن قريش تخلّت

وولّت هلال خيفة الحرب شرّدا ... وبربر قيس أبعدت حيث حلّت

ثم إن العمريّ واقعهم وهم غارّون فقتل فيهم قتلا ذريعا، وانتشبت الحرب بينهم، وقتل من الفريقين ألوف. ولهم وقعتان مشهورتان في موضعين يعرف أحدهما بميزح والآخر بكيا (١*).

وللعمريّ في ذلك قصائد وشعر طويل فمنه [البسيط]:

إذا جزى الله أقواما بعارفة ... فلا جزى مضرا عنّا بإحسان!


(١) أدفو- أتفو عند اليعقوبيّ ٣٣٤: في الجانب الغربي من النيل بين أسوان وقوص.
(٢) عن هؤلاء انظر ابن حوقل، ٥٩.
(٣) الجلاب ج جلبة: زورق كبير لحمل البضائع والعبيد في البحر الأحمر (دوزي). وهو أيضا الرمث الآتي.
(١*) اليعقوبي، ٣٣٥: كبا (بالباء): على ٣٠ مرحلة من وادي العلاقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>