للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النحاة (١). وله مقدّمة سمّاها «اللباب»، وحواش على درّة الغوّاص، وجزء في أغاليط الفقهاء، وكتاب الردّ على ابن الخشّاب في ردّه على الحريري.

وكان علّامة عصره وحافظ وقته ونادرة دهره، اطّلع على أكثر كلام العرب.

وكان له التصفّح في ديوان الإنشاء، فلا يصدر كتاب إلى ملك ولا يعطى لأحد مرسوم إلّا بعد أن يتصفّحه ويصلح ما لعلّه فيه من خلل.

وكان المصريّون يقولون إنّه لم يأخذ كتاب سيبويه عن أحد، وإنّما أخذه بالقوّة. فلمّا مات وجد في أوراق الجزء السادس من سيبويه بخطّ الشيخ أبي بكر الشنترينيّ ما مثاله: «قرأ عليّ الشيخ أبو محمد عبد الله ابن الشيخ برّي بن عبد الجبّار بن برّي المقدسي هذا الجزء وما قبله من الكتاب، فكمل له جميع الكتاب قراءة فهم ودراية». فعلم أنّه قرأ الكتاب.

وحكى عنه صاحبه المختصّ به عبد الخالق بن ريدان المسكيّ قال: لمّا أملى علينا شيخنا أبو محمد ابن برّي حواشي الصحاح وانتهى إلى فصل «رمث» وأنشد الشاهد منه [الطويل]:

تمنّيت من حبّي عليّة أنّنا ... على رمث في البحر ليس لنا وفر (٢) [١٨٦ ب]

قال: وهذا من أبيات لأبي صخر الهذلي وم [نها]:

أما والذي أبكى وأضحك، والذي ... أمات وأحيا، والذي أمره الأمر

وأنشد الأبيات حتى انتهى إلى قوله:

تكاد يدي تندى إذا ما لمستها ... وينبت في أطرافها الورق الخضر

فتبسّم. فسألته عن سبب تبسّمه فقال: هذا البيت كان سبب اشتغالي بالنحو واختصاصي به:

وذلك أنّ والدي كان كتبيّا في زقاق القناديل بمصر، وكان يجلس إليه وجوه الفضلاء كابن أبي حصينة وظافر الحدّاد الشاعرين، وغيرهما. فأنشد أبي هذا البيت وقال فيه: الورق الخضر بكسر الراء فضحكوا منه وانصرفوا وأبي خجلان. وجئته وهو على تلك الحال من الانقباض والخجل فسألته عن خبره، فأخبرني بالقصّة. ثمّ قال لي: يا ولدي، متى يحقّق الله عزّ وجلّ فيك رؤياي؟ فإنّي مترقّب فيك ما بشّرت به في النوم.

فقلت له: وما هذه الرؤيا؟

فقال: رأيت كأنّني في بيت المقدس، وبيدي رمح طويل في رأسه قنديل يتوقّد نارا ونورا، فحملته حتّى ركّزته على الصخرة. فأوّلت رؤياي على معبّر فقال لي: يولد لك مولود يشيع ذكره ويرتفع قدره بمقدار ما رأيت من علوّ الرمح وضوء القنديل.

(قال) فوجدت في نفسي نشاطا وقوّة وحدث لي في الحال محبّة العلم، فقلت: أيّ العلوم تؤثر أن أشتغل به؟

فقال: يا بنيّ، أوّل ما أريد أن تشتغل به النحو، فإنّه رأس العلوم، وبه يعرف تأويل القرآن وحديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم. وفائدتي فيه أنّك تتعلّمه وتعلّمنيه،


(١) ملك النحاة لقب الحسن بن صافي بن عبد الله (انظر السيوطي: الأشباه والنظائر ٣/ ١٧١ نقلا عن هامش ٢ ج ٢ ص ١١١ من أنباه الرواة). وفي كشف الظنون ١٠٧٢ أنّ الذي بدأ كتابة الحواشي على صحاح الجوهريّ هو أستاذه علي بن القطّاع الصقلّي (ت ٥١٥).
(٢) في المخطوط: أنّني: على ... ليس لها ... ، والإصلاح من الصحاح (رمث) ومن أشعار الهذليّين، ٩٥٨. والرّمث: الخشب المضموم بعضه إلى بعض في هيئة الزورق.

<<  <  ج: ص:  >  >>