فخرج عبد الله من ليلته بعد ما أخبر أمّ كلثوم بنت عليّ رضي الله عنهما بالذي سمع من أهل المدينة، وأنّه يخرج معتمرا مقيما على طاعة عليّ، ما خلا النهوض. وكان صدوقا، فاستقرّ عندها.
وأصبح عليّ رضي الله عنه فقيل له: حدث البارحة حدث هو أشدّ عليك من طلحة والزبير وأمّ المؤمنين ومعاوية.
فقال: وما ذاك؟
قالوا: خرج عبد الله بن عمر إلى الشام.
فأتى عليّ السوق ودعا بالظّهر فحمل الرجال وأعدّ لكل طريق طلّابا. وماج أهل المدينة.
وسمعت أمّ كلثوم بالذي هم فيه فدعت ببغلتها فركبتها في رجل ثمّ أتت عليّا وهو واقف في السوق يفرّق الرجال في طلبه فقالت: ما لك؟ ما تريد من هذا الرجل؟ إنّ الأمر على غير ما بلغك.
وحدّثته وقالت: أنا ضامنة له.
فطابت نفسه وقال: انصرفوا. والله ما كذبت ولا كذب، وإنّه عندي ثقة.
فانصرفوا. قال الزهري: والعجب من ابن عمر يمتنع من بيعة عليّ ويبايع يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان!
وعند ما أجمع طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم على المضيّ من مكّة إلى البصرة بمن معهم من المسلمين ليدعوا إلى الأخذ بثأر عثمان رضي الله عنه [٢٤٩ ب] دعوا عبد الله إلى المسير معهم فقال: «إنّي امرؤ من أهل المدينة، فإن يجتمعوا على النهوض أنهض، وإن يجتمعوا على القعود أقعد». فتركاه ورجعا.
وكانت أخته حفصة بنت عمر رضي الله عنهما أرادت الخروج مع عائشة، فمنعها من ذلك وعزم عليها فلم تسر. وأعلمت عائشة بذلك فقالت:
يغفر الله لعبد الله!
وقيل لعبد الله: فيم تفرّقت قريش؟
فقال: أو هي تفرّقت؟ إنّما تفرّق الغوغاء، والشرّ بينهما. والله لا يزال ذلك دأب الغوغاء حتى يفتنوا قريشا وحتى يسلمهم ذلك إلى الكفر يوما.
فلم يشهد عبد الله الجمل ولا صفّين.
وعند ما عزم معاوية على المسير إلى صفّين كتب هو وعمرو بن العاص إلى مكّة: أمّا بعد، فمهما غاب عنّا من الأمور، فلم يغب عنّا أنّ عليّا قتل عثمان. والدليل على ذلك مكان قتلته منه.
وإنّا إنّما نطلب بدمه حتّى يدفعوا إلينا فنقتلهم بكتاب الله. فإن دفعهم إلينا كففنا عنه وجعلناها شورى بين المسلمين على ما جعلها عمر بن الخطّاب. فأمّا الخلافة فلسنا نطلبها، فأعينونا على أمرنا هذا، وانهضوا من ناحيتكم، فإنّ أيدينا وأيديكم إذا اجتمعت على أمر هاب عليّ ما هو فيه.
فكتب إليهما عبد الله بن عمر: أمّا بعد، فلعمري لقد أخطأتما موضع النصرة وتناولتماها من مكان بعيد. وما زاد الله من شكّ في هذا الأمر بكتابكما إلّا شكّا. وما أنتما والمشورة؟ وما أنتما والخلافة؟ أمّا أنت يا معاوية فطليق، وأمّا أنت يا عمرو فظنون. ألا فكفّا عنّا أنفسكما، فليس لكما فينا وليّ ولا نصير!
فكتب إليه معاوية: أمّا بعد، فإنّه لم يكن أحد من قريش أحبّ إليّ أن يجتمع إليه الناس بعد عثمان منك. ثم ذكرت خذلك إيّاه وطعنك على أنصاره فتغيّرت لك. وهوّن ذلك عليّ خلافك على عليّ وجرّني إليك بعض ما كان منك. فأعنّا رحمك الله على حقّ هذا الخليفة المظلوم، فإنّي