للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ونازل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أيضا ختم القرآن، فقال:

اختمه في شهر!

قال: إنّي أطيق أفضل من ذلك.

فلم يزل يراجعه حتّى قال: لا تقرأه في أقلّ من سبع- وبعضهم يقول: أقلّ من خمس. والأكثر على أنّه لم ينزل من سبع، فوقف عند ذلك-.

وقد شهد صفّين مع معاوية، واعتذر من ذلك.

قال ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو أنّه كان يقول: ما لي ولصفّين؟ ما لي ولقتال المسلمين؟

والله لوددت أنّي متّ قبل هذا بعشر سنين!

ثمّ يقول: أما والله ما ضربت فيها بسيف، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم، ولوددت أنّي لم أحضر شيئا منها، وأستغفر الله عزّ وجلّ من ذلك وأتوب إليه!

إلّا أنّه ذكر أنّه كانت بيده الراية يومئذ، فندم ندامة شديدة على قتاله مع معاوية وجعل يستغفر الله من ذلك ويتوب إليه.

وقدم مع أبيه مصر وشهد فتحها، وكان على مقدّمة أبيه في فتح الإسكندريّة، فأصابته [٢٥٦ ب] جراحات كثيرة فقال لوردان، وهو حامل اللواء:

يا وردان، لو تقهقرت قليلا نصيب الرّوح؟

فقال وردان: الرّوح تريد؟ الروح أمامك وليس هو خلفك!

فتقدّم عبد الله. فجاءه رسول أبيه ليسأله عن جراحه، فقال [الوافر]:

أقول [لها] إذا جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي!

فرجع الرسول بذلك إلى عمرو فقال: هو ابني حقّا!

واستخلفه أبوه على مصر في إحدى قدمتيه على عمر بن الخطّاب رضي الله عنه. واستخلفه لمّا قدم على عثمان رضي الله عنه. فصرف عثمان عمرا بعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعبد الله على مصر. فسار عنها وأقام مع أبيه بفلسطين. ثمّ سار معه إلى معاوية بدمشق. واستعمله معاوية في حرب صفّين على الميمنة، فتقلّد سيفين ودرعين، قد تقلّد بواحد وهو يضرب بالآخر، وأطافت به خيل عليّ رضي الله عنه فقال عمرو: يا الله، يا رحمان، ابني ابني!

فقال معاوية: اصبر، إنّه لا بأس عليه.

فقال عمرو: لو كان يزيد بن معاوية، إذن لصبرت!

ولم يزل حماة أهل الشام يذبّون عنه حتى نجا هاربا على فرسه.

فلمّا اشتدّت الحرب بصفّين ورفع معاوية المصاحف ودعا عليّا رضي الله عنه إلى الحكم بما في كتاب الله، اختلف عليه أصحابه: فمنهم من رأى أن يتمّ ما هو عليه من قتال أهل الشام، ومنهم من رأى أن يجيب إلى تحكيم القرآن. فجزع أهل الشام وقالوا: يا معاوية، ما نرى أهل العراق أجابونا إلى ما دعوناهم إليه، فأثرها جذعة فإنّك قد غمزت بدعائك القوم، وأطمعتهم فيك.

فدعا معاوية عبد الله بن عمرو فأمره أن يكلّم أهل العراق، فأقبل حتى إذا كان بين الصّفّين نادى (١*): يا أهل العراق، أنا عبد الله بن عمرو بن العاص. إنّها قد كانت بيننا وبينكم أمور للدين أو الدنيا، فإن تكن للدين فقد والله أعذرنا وأعذرتم.

وإن تكن للدنيا فقد والله أسرفنا وأسرفتم. وقد دعوناكم إلى أمر لو دعوتمونا إليه لأجبناكم. فإن يجمعنا وإيّاكم الرّضا فذاك من الله. فاغتنموا هذه


(١*) وقعة صفّين، ٥٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>