للوزارة واستعفى لعظم المطالبة. فاستكتبه المعتمد على الله أمير المؤمنين أبو العبّاس أحمد ابن المتوكّل لابنه المفوّض، وضمّ إليه دواوين، ثمّ دفع إليه ثلاثمائة ألف دينار، وخلع عليه بتكريت.
وكان المعتمد قد صار لقصد أحمد بن طولون في سنة تسع وستّين، ووزيره حينئذ صاعد بن مخلد مع الأمير الناصر لدين الله أبي أحمد طلحة ابن المتوكّل وليّ عهد المسلمين في حرب الزنج، وقد ضمن إبراهيم [ل] لمعتمد القيام بأمر قوّاده الخارجين معه، وأن يكفيه جميع أموره في مدّة سفره، وخرج معه.
فلمّا حصل بتكريت خلع عليه خلع الوزارة، وقال لقوّاده ولمن معه: ما استوزرت بعد عبيد الله بن يحيى وزيرا أرضاه غير الحسن ابن مخلد، وإبراهيم هذا في هذا الوقت.
وسار إلى الموصل ليتلقّى جيش ابن طولون ويمضي إلى مصر وديار ربيعة. [ثمّ إنّ إسحاق بن كنداج متولّي الموصل وديار ربيعة] قبض على قوّاده وأراد القبض على إبراهيم فلم يمكّنه المعتمد. وعاد [المعتمد] من الموصل إلى سرّ من رأى، فاستتر إبراهيم بها، إلى أن ظفر به الوزير أبو العلاء صاعد بن مخلد، فحدّره إلى بغداد وحبسه إلى أن رضي عنه الموفّق وأفرج عنه بعد مدّة مديدة وخلع عليه وقلّده الأعمال، إلى أن مات ببغداد يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من شوّال سنة تسع وسبعين ومائتين.
وقدم إبراهيم إلى مصر. فعند ما سار عنها الفقيه أبو علي الحسين بن عبد السلام، المعروف بالجمل الشاعر، أنشده.
قال الصولي في حقّه: كاتب جليل، شاعر أديب، عالم كريم، ليس في زماننا شاعر إلّا وقد استفرغ مدحه فيه. قال أبو هفّان [الكامل]:
لو قام مثلك في البريّة واحد ... في الجود لم يك فيهم فقراء
وقال إبراهيم في محبسه شعرا كثيرا، منه قوله [الكامل]:
أدموعها أم لؤلؤ متناثر ... يندى به الورد الجنيّ الزاهر؟ [٦٢ أ]
لا يؤيسنّك من كريم نبوة ... فالسيف ينبو، وهو عضب باتر
هذا الزمان تسومني أيّامه ... حيفا، وها أنا ذا عليه صابر
إن طال ليلي في الإسار فطالما ... أفنيت دهرا ليلة متقاصر
والسجن يحجبني وفي أكنافه ... منّي على الضرّاء ليث خادر
عجبا له كيف التقت أبوابه ... والجود فيه، والربيع الباكر
هلّا تقطّع أو تصدّع أو وهى ... فعذرته، لكنّه بي فاخر
وقال [الطويل]:
ألا طرقت سلمى لدى وقعة السّاري ... وحيدا فريدا موثقا نازح الدار
هو الحبس ما فيه عليّ غضاضة ... وهل كان في حبس الخليفة من عار؟
ألست ترين الخمر يظهر حسنها ... وبهجتها في الحبس بالطين والقار؟
وما أنا إلّا كالجواد يصونه ... مقوّمه للسبق في طيّ مضمار
أو الدرّة الزهراء في قعر لجّة ... فلا تجتنى إلّا بهول وأخطار