للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال محمد ابن بنت الشافعيّ: سمعت عمّي إبراهيم بن محمد يقول: باع الشافعيّ ضيعة له بعشرة آلاف درهم فصبّه [ا] على نطع يمينا، فكان من أتاه من الأشراف وأهل العلم والأدب، حثا له بكفّه حتّى بقي شيء يسير على النّطع. فأتاه أعرابيّ من بني سدوس، فقال له: يا فتى عندي لك يد، فكافئني عليها!

قال: وما تلك اليد يا عمّ؟

قال: حضرت هذا الموسم، وأنت مع عمومتك وهم يشتهون الأضحية، فضربت يدك إلى قرن شاة، فقلت: «يا عمّ، اشتر لي هذه! » فقلت:

«أحسن إلى الفتى! » فأحسن إليك بقولي.

فقال الشافعيّ: [١٧٠ ب] إنّ هذه ليد جليلة، خذ النطع وما عليه!

*** وقال الزبير بن سليمان القرشيّ عن الشافعيّ:

خرج هرثمة فأقرأني سلام أمير المؤمنين هارون وقال: قد أمر لك بخمسة آلاف دينار. (قال):

فحمل إليه المال، فدعا بحجّام فأخذ من شعره فأعطاه خمسين دينارا. ثمّ أخذ رقاعا فصرّ من تلك الدنانير صررا، ففرّقها في القرشيّين الذي هم بالحضرة ومن هم بمكّة حتّى ما رجع إلى بيته إلّا بأقلّ من مائة دينار.

*** وقال الحميديّ: قدم الشافعيّ من صنعاء إلى مكّة بعشرة آلاف دينار في منديل. فضرب خباءه في موضع خارجا من مكّة. وكان الناس يأتون فيه، فما برح حتى ذهبت كلّها، ثمّ دخل مكّة.

وعن إبراهيم بن صوّابة- وكان جليسا للشافعيّ- أنّه قال: دخلت مع الشافعيّ حمّاما، فخرجت قبله- وكان الشافعيّ طوالا جسيما نبيلا، وكان إبراهيم طوالا جسيما. فلبس إبراهيم ثياب الشافعيّ، ولبس الشافعيّ ثياب إبراهيم، والشافعيّ لا يعلم أنّها ثياب إبراهيم، وإبراهيم لا يعلم أنّها ثياب الشافعيّ. فانصرف الشافعيّ إلى منزله فنظر فإذا هي لإبراهيم، فأمر بها فطويت وبخّرت وجعلت في منديل. ونظر إبراهيم فطواها وبخّرها وجعلها في منديل. ثمّ راحا جميعا، فجعل الشافعيّ ينظر إلى إبراهيم ويبتسم إليه، وجعل إبراهيم ينظر إلى الشافعيّ ويبتسم إليه.

فلمّا صلّيا العصر قال إبراهيم؛ أصلحك الله، هذه ثيابك.

فقال الشافعيّ: وهذه ثيابك. والله لا يعود إليّ منها شيء ولا يلبسها غيرك- فأخذهما إبراهيم جميعا.

*** وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: كان الشافعيّ أسخى الناس بما يجد. وكان يمرّ بنا، فإن وجدني، وإلّا قال: «قولوا لمحمّد إذا جاء يأتيالمنزل، فإنّي لست أتغدّى حتى يجيء».

فربّما جئته فإذا قعدت معه على الغداء قال: «يا جارية، اضربي لنا فالوذج [ا]! » فلا تزال المائدة بين يديه حتى تفرغ منه ونتغدّى.

وقال أبو ثور: كان الشافعيّ من أجود الناس وأسمحه [م] كفّا. كان يشتري الجارية الصّناع التي تطبخ وتعمل الحلواء ويشترط عليها هو أنّه لا يقربها لأنّه كان عليلا لا يمكنه أن يقرب النساء لباسور كان به. ويقول لنا: تشهّوا ما أحببتم فقد اشتريت جارية تحسن أن تعمل ما تريدون.

فيقول لها بعض أصحابنا: اعملي لنا اليوم كذا وكذا! - فكنّا نحن الذين نأمرها بما نريد، وهو مسرور بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>