للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

- وقيل: محمد بن بركات بن عليّ بن هلال بن عبد الواحد- أبو عبد الله، السعيديّ، النحويّ، اللغويّ، الصوفيّ، من [١٣٥ أ] ولد سعد بن شرحبيل بن الغوث بن سعد بن عوف بن عديّ بن مالك بن زيد، تلميذ ابن بابشاذ النحويّ، وشيخ مصر في النحو واللغة.

ولد في المحرّم سنة عشرين وأربعمائة. وأدرك أبا يوسف يعقوب بن خرّزاد النّجيرميّ ورآه وهو صبيّ ولم يهتد للأخذ عنه. قال الموفّق يوسف بن الخلّال كاتب الإنشاء: قال ابن بركات: رأيت النّجيرميّ ماشيا في طريق القرافة، شيخا أسمر، كثّ اللحية.

ولحق الحوفيّ النحويّ ولم يقرأ عليه شيئا.

وسمع صحيح البخاريّ بمكّة على كريمة بنت أحمد المروزيّة. ولقي المشايخ الأجلّاء كالقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعيّ، وأبي سهل الهرويّ. وروى عن أبي الحسين نصر بن عبد العزيز الشيرازيّ، وأبي عليّ الفاقوسيّ، وأبي الحسن عبد الباقي بن فارس المقرئ، والحافظ أبي القاسم سعد بن عليّ الزنجانيّ، وأبي الحسن عبد الملك بن محمود بن مسكين الزجّاج، وأبي عبد الله الحسين بن محمد الميمونيّ، وأبي الفرج عليّ بن نصر بن الصبّاح الكاتب، وأبي الحسين محمد بن عليّ بن إبراهيم بن يحيى الدقّاق، وأبي الحسن طاهر ابن بابشاذ النحويّ- وأخذعنه النحو- وأبي سعيد خلف بن عبد الله بن بحر العروضيّ المعروف بالفاكراسيّ، وأبي الحسن عليّ بن مندة القمّي اللغويّ الزاهد، وأبي عبد الله محمد المعروف بالزكيّ النحويّ، والعلاء ابن أبي الفتح عثمان بن جنّيّ، وأبي إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبّال.

وروى عنه الشريف الخطيب ناصر بن الحسن الرنديّ، والحافظ أبو طاهر السلفيّ، وأبو القاسم البوصيريّ، وأبو الطاهر إسماعيل بن عليّ بن [أبي] مقشّر (١) النحويّ.

وأدرك الشدّة العظمى التي كانت بمصر في سني ستّين وأربعمائة وما بعدها، وكان إذ ذاك له أربعون سنة، وهو يقرأ على ابن بابشاذ النحو. وكان يحضر مائدة متولّي الشرطة بمصر- وكان يعلّم أولاده- ثمّ يأخذ رسمه رغيفين فيدفع أحدهما لشيخه ابن بابشاذ- وكان منقطعا في سطح جامع عمرو بن العاص للعبادة- ويبيع الرغيف الآخر في سوق زقاق القناديل بأربعة عشر درهما ويأخذ الدراهم، ويطلع إلى القاهرة [ف] يدفعها للفرّاشين الموكّلين بالإيوان بخزانة الكتب بالقصر، فيأخذ بكلّ درهم كتابا فيتخيّر الكتب المنسوبة وخطوط العلماء، وكلّ [١٣٥ ب] مستحسن، ويأتي بذلك معه إلى سقف بيت قد أغلق بابه ونقب السقف فيرمي تلك الكتب منه، كذا كلّ يوم. فلم تمض الشدّة إلّا وذلك البيت ملآن كتبا من كلّ فنّ، فكانت سبب غنائه عن الناس إلى أن مات.

وكان عجيب الخلقة مهيج الوجه طوالا يتعمّم على طرطور فيه طول ويتحنّك بشيء من عمامته، وثيابه دنسة أبدا. وكان يكثر التقعير والتمشدق في كلامه لا يتكلّم إلّا بإعراب وخطابة وتفخيم. وكان إذا حضر في موضع يرتاع منه كلّ متكلّم لأنّه يعتمد لتخطئة كلّ من تكلّم وجها يخطّئه ويلحّنه به فلا يكاد أحد يسلم منه. واتّفق أنّه وقف ذات يوم على بيّاع رطب ليشتري منه. فقال البيّاع: يا شيخ، معك ما تأخذ فيه هذا الرطب أو أدفع لك دوخلة؟

فقال له ابن بركات أخطأت: لا يجوز دوخلة،


(١) ابن أبي مقشّر في بغية الوعاة ١٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>