لقضاء الأشغال، وصار يوقّع ويطلق ويركب في المواكب. وأقام الأمير بدر الدين بيليك الخازندار نائبا عن الأمير عزّ الدين أيدمر الحلبيّ. وخرج الملك الظاهر إلى الشام وجعله بديار مصر.
فلمّا كان في سنة اثنتين وسبعين خرج الملك السعيد من قلعة الجبل في ليلة الثاني عشر من شهر رمضان، ومعه عدّة من الأمراء، من غير أن يشعر بخروجه أحد، وتوجّه إلى دمشق فدخلها على حين غفلة من أهلها في سادس عشرينه ولم يدر نائب دمشق إلّا وهو في سوق الخيل بين العسكر.
فنزل بمن معه وقبّلوا له الأرض. ودخل قلعة دمشق وخلع على أمراء الشام يوم عيد الفطر.
وخرج إلى الصيد وسار إلى مصر فوصلها في حادي عشرين شوّال، وذلك كلّه بتدبير أبيه. ثمّ بعث الملك الظاهر من دمشق الأمير بدر الدين بيليك الخازندار لإحضار الملك السعيد من قلعة الجبل، فخرج به على خيل البريد في سلخ المحرّم سنة أربع وسبعين، فدخل إلى دمشق في سادس صفر، وخرج الملك الظاهر إلى لقائه. ثمّ حضر بعد ذلك طلبه ومماليكه. فأقام بدمشق إلى أن عاد مع أبيه في رجب إلى قلعة الجبل، فعقد عقده على غازية خاتون ابنة الأمير سيف الدين قلاوون الألفيّ في يوم الخميس ثاني عشر ذي الحجّة من السنة المذكورة، وقبل العقد عنه الأمير بدر الدين الخازندار، وقبله عن الأمير قلاوون الأمير شمس الدين أقسنقر الفارقانيّ. ومبلغ الصداق خمسة آلاف دينار، المعجّل منها ألفا دينار. وكتب الصداق القاضي محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر وقرأه في المجلس.
فلمّا مات والده الملك الظاهر بدمشق في يوم الخميس ثامن عشرين المحرّم سنة ستّ وسبعين وستّمائة، أخفى الأمراء موته وكتبوا إلى الملك السعيد [١٧٣ أ] كتابا صحبة الأمير بدر الدين الحمويّ بذلك، فسار إليه من دمشق إلى قلعة الجبل. فلمّا وقف على الكتاب أظهر الفرح وأخلع على الحمويّ. وبالغ في كتمان موت أبيه وأشاع أنّ الكتاب يتضمّن عود الملك الظاهر إلى ديار مصر.
وأصبح يوم السبت راكبا في المواكب مع الأمراء بسوق الخيل على العادة من غير أن يظهر عليه حزن البتة. فلم يتفطّن أحد بمصر لموت السلطان.
وسار الأمير بدر الدين الخازندار من دمشق بالعساكر والخزائن ومعه محفّة حولها المماليك يوهم الناس أنّ السلطان بها وهو مريض. فمشى ذلك على العسكر حتّى دخلوا إلى قلعة الجبل، وجلس الملك السعيد بالإيوان، ووقف الأمير بدر الدين وغيره بين يديه على العادة. [ف]- صاح الحجّاب: يا أمراء، ترحّموا على السلطان الملك الظاهر، وادعوا لسلطانكم الملك السعيد!
فارتفع الضجيج والبكاء، ووقع الجميع إلى الأرض يقبّلونها، وجدّدت الأيمان للملك السعيد. وتولّى الأمير بدر الدين تحليف العساكر للملك السعيد بحضرة القضاة. فتمّت له السلطنة، وأقرّ الأمير بدر الدين على عادته في النيابة، والصاحب بهاء الدين على حاله في الوزارة، وخلع عليهما وعلى الأمراء والمقدّمين والقضاة والكتّاب. وخطب الخطباء للملك السعيد في يوم الجمعة سابع عشرين صفر، وصلّى على أبيه صلاة الغائب، وبعث البريد إلى الشام بوفاة الملك الظاهر، فدخل إلى دمشق يوم السبت ثاني عشر شهر ربيع الأوّل، وحلف أهل الشام ودخلوا في الطاعة.