للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سادس ربيع الأوّل فاتّهم الملك السعيد بأنّه سمّه.

فولي بعده الأمير شمس الدين أقسنقر الفارقانيّ نيابة السلطنة.

وفي يوم الأربعاء سادس عشر ربيع الأوّل ركب الملك السعيد على عادة والده وهو بين الأمراء والمقدّمين والأعيان وعليهم الخلع ونزل من قلعة الجبل إلى تحت الجبل الأحمر، وعاد إلى القلعة، فكان يوما مشهودا لأنّه أوّل ركوبه بعد موت أبيه.

ثمّ إنّ الخاصّكيّة أوهموا الملك السعيد من أقسنقر فقبض عليه بعد أيّام يسيرة وقتله وولّى الأمير سيف الدين كوندك الساقي، فاتّفق مع الأمير قلاوون. وغلب شخص من المماليك يعرف بلاجين الزينيّ على الملك السعيد وضمّ إليه جماعة من الخاصّكيّة [١٧٣ ب] وأخذ لهم الإقطاعات واستنجز لهم الصلات وصار كلّما انحلّ إقطاع أخرجه لمن يختار، ونافر النائب ففسد ما بينهما وأخذ كلّ منهما يعمل الحيلة في تلاف الآخر. ومال الأمراء والأكابر مع النائب فصاروا حزبين، وخلا الملك السعيد بنفسه مع مماليكه الأحداث وفرّق فيهم الأموال وقدّم أصاغرهم فحسّنوا له إبعاد الأمراء الأكابر. هذا، وفيهم من الصالحيّة خوشداشيّة أبيه مثل قلاوون الألفيّ وسنقر الأشقر وعلم الدين الحلبيّ وبيسريّ وأمثالهم ممّن كان يأنف من سلطنة الملك السعيد (١) ويستقلّه عن ذلك. فصار السعيد يضع من أقدارهم وقبض على بعضهم ثم أطلقه من يومه. فنفرت قلوبهم منه، إلى أن كان يوم الجمعة خامس عشرين ربيع الأوّل [ف] قبض على الأمير سنقر الأشقر والأمير بدر الدين بيسري واعتقلهما ثلاثة وعشرين يوما، وهذان كانا جناحي أبيه، فعظم ذلك على الأمراء. ودخل خاله الأمير

[محمد بن] (٢) بركة خان إلى أخته أمّ السعيد وتحدّث معها في أمرهما وقبّح ما فعله السعيد.

فلمّا بلغه ذلك عنه قبض عليه واعتقله ثمّ أفرج عنه وعن الآخرين وخلع عليهم وردّهم إلى مكانهم، فلم تطب قلوبهم له. وتوهّم منه سائر الأمراء وخافوا أن يفعل معهم كما فعل مع الأمير بيليك، فإنّه لم يرع له حفظه المملكة عليه بل سمّه. فاجتمعوا لإجالة الرأي وتدبير أمرهم، فأشار بعضهم بالرحيل إلى الشام. ثمّ اتّفقوا وطلعوا بكرة يوم الخميس إلى القلعة في مماليكهم والزامهم وأجنادهم وأتباعهم ومن انضمّ إليهم، وبعثوا إلى السعيد إنّك قد أفسدت الخواطر وتعرّضت إلى الأمراء الأكابر، فإمّا أن ترجع عن ذلك وإلّا كان لنا ولك شأن. فلاطفهم وبعث إليهم التشاريف فامتنعوا من لبسها. وتردّدت بينهم الرسل حتى تقرّر الصلح، وحلّفه الأمير بدر الدين الأيدمريّ وانصرفوا.

فلمّا كانت سنة سبع وسبعين سار السعيد من القلعة إلى الشام ليتنزّه بها، فدخل دمشق في خامس ذي الحجّة ومعه أخوه الملك المسعود نجم الدين خضر، وأمّه. فبلغه موت الصاحب بهاء الدين ابن حنّا، فولي الوزارة بعده قاضي القضاة برهان الدين السنجاريّ، وجلس بدار العدل وأسقط عن أهل دمشق ما كان قرّره أبوه على البساتين في كلّ سنة.

ثمّ إنّ [١٧٤ أ] الخاصّكيّة حسّنوا للسعيد إبعاد الأمراء الأكابر عنه ليتمّ تمكّنهم من عمل أغراضهم (٣). فجهّز الأمير قلاوون الألفيّ في عسكر، وجهز الأمير بيسري في عسكر، وأنفق فيهم


(١) في المخطوط: من الملك الظاهر.
(٢) الزيادة من الدليل الشافي ٦٠٨ (٢٠٨٨) ترجمة «محمد بن بركة خان خال الملك السعيد».
(٣) الضمير يعود على الخاصّكيّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>