الأموال وسيّرهم إلى جهة سيس فساروا على كره.
فلمّا دخلت سنة ثمان وسبعين قرّر الخاصّكيّة مع السعيد القبض على الأمراء عند عودهم من غزاة سيس وعيّنوا أخبازهم لأقوام منهم. فاطّلع النائب كوندك على هذا، واستغرق السعيد في لذّاته مع خواصّه وبسط يده بإعطاء الأموال الكثيرة لهم وخالف طريقة أبيه. وأطلق لمملوك منهم ألف دينار فتوقّف النائب كوندك فيها ولم يمضها، فاجتمع إليه الخاصّكيّة وفاوضوه في ذلك وأسمعوه كلاما قبيحا وقاموا عنه على غيظ.
وصاروا إلى السعيد وأرادوا منه عزل كوندك عن النيابة، فلم يوافقهم، فألحّوا عليه حتى عزله.
وخرجوا إليه ليمسكوه أو يقتلوه، فحماه عنهم سنقر الأشقر وأخذه عنده فأقام سبعة أيّام. وخرج إليه مرسوم بإمرة أربعين فارسا بحلب.
وأمّا الأمراء فإنّهم غزوا سيس وقتلوا وسبوا، وعبر الأمير بيسري إلى قلعة الروم، وعاد هو والأمراء إلى دمشق. فخرج إليهم كوندك وحدّثهمبما وقع، وأنّ العزم قد قوي على القبض عليهم وحلف لهم على ذلك. فحرّك قوله ما عندهم من الإحن على السعيد، وبعثوا من عذراء (١) إلى السعيد أن يفرّق عنه الصبيان ويرسل إليهم لاجين الزينيّ. فلم يعبأ بقولهم. وكتب إلى من معهم من الظاهريّة يأمرهم بمفارقة الصالحيّة وعبور دمشق.
فوقع حامل الكتب في أيديهم وأخذوا منه الكتب.
وعند ما وقفوا عليها أظهروا الخلاف وساروا إلى الجسور من جهة داريّا، وأعلنوا بذمّ السعيد وأنّه قد أسرف وأفرط في سوء الرأي وأفسد التدبير.
فلمّا بلغه ذلك خاف، وكان لم يتأخّر عنده من الأمراء سوى الأمير سنقر الأشقر، والأمير عزّ
الدين أيدمر نائب الشام، والأمير علم الدين سنجر الحلبيّ الكبير، فبعث إليهم الأمير سنقر الأشقر فعاد من غير أن يبلغ منهم غرضا. فزاد قلقه وتردّدت الرسل بينه وبينهم وهم لا يرضون بالدخول إليه. فبعث إليهم أمّه مع سنقر الأشقر ليسترضيهم [١٧٤ ب] فلم يصغوا لقولها ولا انخدعوا لخضوعها، وعادت خائبة. فرحل الأمراء بمن معهم إلى مصر فلم يثبت السعيد وخرج بنفسه في آثارهم جريدة ليتلافى أمرهم فلم يدركهم.
فعاد إلى دمشق وبات بها. وأصبح وجهّز أمّه وخزائنه إلى الكرك وسار من دمشق يوم الجمعة ثامن ربيع الأوّل واستدعى العساكر الشاميّة والعربان وأنفق فيهم، فلمّا وصل غزّة، تسلّل أكثر العربان. وسار إلى بلبيس فنزلها في نصف ربيع الأوّل، وقد سبقه الأمراء إلى القاهرة ونزلوا تحت الجبل الأحمر. فلمّا بلغ الأمراء الذين بقلعة الجبل نزولهم، امتنعوا من تسليمها وحصّنوها. وكان بها الأمير عزّ الدين أيبك الأفرم أمير جاندار، والأمير أقطوان الساقي، وبلبان الزريقيّ. فنزل إلى الأمراء أيبك الأفرم وأقطوان في أصحابهما ليعرفوا الخبر.
فقبضوا عليهما وبعثوا بهما إلى القاهرة فسجنا بدار الأمير قلاوون، وفتحوا أبواب البلد وعبر كلّ أحد إلى داره.
وزحفوا إلى القلعة وحصروها وقد امتنع بها بلبان الزريقيّ، فلمّا بلغ ذلك السعيد وهو في بلبيس خامر عليه من معه من عساكر الشام وعادوا إلى دمشق، ولم يبق مع السعيد إلّا مماليكه وخواصّه، ومن الأمراء الأكابر سنقر الأشقر فقط.
فسار من بلبيس إلى المطريّة، ففارقه سنقر الأشقر واعتزل عنه وعن الأمراء. فبلغ الأمراء مسير السعيد على طريق الجبل الأحمر، فركبوا ليحولوا بينه وبين القلعة. وكان الضباب في هذا اليوم
(١) عذراء بالغوطة (ياقوت).