للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

متراكما بحيث إنّ الفارس لا ينظر من يسايره.

فنجا منهم واستتر عن رؤيتهم وطلع القلعة. فلمّا انكشف الضباب بلغ الأمراء أنّه في القلعة، فزحفوا إلى حصارها. وعند ما استقرّ السعيد بالقلعة تشاجر لاجين الزينيّ مع بلبان الزريقيّ فنزل بلبان إلى الأمراء وصار معهم، وتبعه المماليك شيئا بعد شيء. فأشرف السعيد من برج الرفرف المطلّ على الإسطبل وصاح: يا أمراء، [أنا] أرجع إلى رأيكم ولا أعمل إلّا ما تقولو [ن] هـ!

فلم يجبه أحد منهم، وأظهروا كتبا عنه تطلب جماعة من الفداويّة لقتلهم. فلم يزل الحصار بالقلعة مدّة أسبوع. وكان القائم بهذا الحرب الأمير بيسري، والأمير قلاوون، والأمير أيتمش السعديّ، والأمير أيدكين البندقدار، والأمير بكتاش الفخريّ أمير سلاح، والأمر بيليك الأيدمريّ، في غيرهم من الأمراء والمقدّمين والمغاربة والبحريّة.

فلمّا طال [١٧٥ أ] الحصار، بعث الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد يقول: يا أمراء، ما غرضكم؟

فقالوا: يخلع السعيد نفسه من الملك ونعطيه الكرك.

فأذعن السعيد لذلك وحلف له الأمراء، وحضر الخليفة والقضاة والأعيان. وأنزل السعيد من القلعة في سابع ربيع الآخر وأشهد عليه أنّه لا يصلح للملك وأنّه قد خلع نفسه. وحلف أنّه لا يتطرّق إلى غير الكرك ولا يكاتب أحدا من نوّاب السلطنة ولا يستميل أحدا من الأجناد.

وس [ا] فر من وقته إلى الكرك ومعه أخوه الملك المسعود (١) نجم الدين خضر في مائة فارس.

فكانت مدّة ملكه بعد أبيه سنتين وشهرين وثمانية أيّام. فوصل إلى الكرك وتسلّمها في خامس عشر جمادى الآخرة فأقام بها.

وملك أخوه بدر الدين سلامش (٢) ثمّ خلع، وقام في السلطنة الملك المنصور قلاوون. فبلغه أنّ الملك السعيد قد كاتب النوّاب واستولى على الشوبك فبعث إليه كتابا ينهاه عن ذلك فلم ينته، فجرّد إليه الأمير بدر الدين بيليك الأيدمريّ على جيش في تاسع شوّال سنة ثمان وسبعين، فأخذ الشوبك بعد حصار في عاشر ذي القعدة. فاتّفق أنّ الملك السعيد ركب بميدان الكرك للّعب بالكرة فتقطّر عن فرسه، فصدع وحمّ أيّاما ومات في يوم الخميس عاشر ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وستّمائة- وقيل: في ثالث عشره، وقيل: في ثامن عشره.

فلمّا ورد الخبر بوفاته في العشرين منه، عمل له الملك المنصور عزاء عظيما بإيوان قلعة الجبل وجلس كئيبا ببياض، واجتمع الأمراء والقضاة والأعيان والقرّاء والوعّاظ فكان يوما مشهودا، وكتب إلى سائر الممالك بالصلاة عليه.

وكان ملكا جوادا فيه لين ومحبّة لفعل الخير.

أزال في أيّامه عدّة مظالم وأبطل جهات من المكوس.

ثمّ إنّه نقل من الكرك إلى دمشق فوصلت به أمّه في ثامن عشرين ربيع الآخر سنة ثمانين وستّمائة، فرفع من خارج سور دمشق ودلّي إلى المدينة، وحمل إلى مدرسة أبيه في الليل فوضع معه في قبره. وألحده القاضي عن الدين [ ... ] ابن


(١) في المخطوط: السعيد.
(٢) العادل سلامش تسلطن ثلاثة أشهر وخلعه قلاوون.
الدليل الشافي ٣١٥ (١٠٧١). أمّا المسعود خضر فملك الكرك بعد أخيه السعيد، الدليل ٢٨٨ (٩٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>