خزيمة اجتماع ابن خزيمة والطبريّ ومحمد بن نصر ومحمد بن هارون الرّويانيّ بمصر (١).
قال أبو سعيد ابن يونس: كان فقيها، قدم إلى مصر قديما سنة ثلاث وستّين ومائتين، وكتب بها ورجع إلى بغداد، وصنّف تصانيف حسنة تدلّ على سعة علمه.
وقال الخطيب أبو بكر: أحد أئمّة العلم، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله. وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره. وكان حافظا لكتاب الله عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام، عارفا بأيّام الناس وأخبارهم.
وله [١٨٢ ب] الكتاب المشهور ب «تاريخ الأمم والملوك»، وكتاب التفسير لم يصنّف أحد مثله.
وكتاب «تهذيب الآثار»، لم أر سواه في معناه، إلّا أنّه لم يتمّمه. وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء. وتفرّد بمسائل حفظت عنه. وبلغني عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الأسفرايينيّ قال: «لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير، لم يكن ذلك كثيرا». وسمعت علي بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغويّ يحكي أنّ محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كلّ يوم منها أربعين ورقة.
وذكره بسنده عن أبي علي الطوماريّ قال: كنت أصلّي [العيد، بل] في شهر رمضان، بين يدي أبي بكر بن مجاهد في المسجد صلاة التراويح. فخرج
ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره واجتاز على مسجده فلم يدخله، وأنا معه، وسار حتّى انتهى إلى آخر سوق العطش، فوقف بباب مسجد محمد بن جرير، ومحمد يقرأ سورة الرحمن.
فاستمع قراءته طويلا ثمّ انصرف. فقلت له: يا أستاذ، تركت الناس ينتظرونك وجئت لتسمع قراءة هذا؟
فقال: يا أبا عليّ، دع عنك! ما ظننت أنّ الله تعالى خلق بشرا يحسن [أن] يقرأ هذه القراءة.
وقال أبو عمرو الداني في طبقات القرّاء: أخذ القراءة عرضا عن سليمان بن عبد الرحمن بن حمّاد الطلحيّ عن خلّاد بن خالد الشيبانيّ الصيرفيّ الكوفيّ عن سليمان بن عيسى الكوفيّ عن حمزة. وروى الحروف سماعا عن العبّاس بن الوليد ويونس بن عبد الأعلى الصدفيّ، وأبي كريب محمد بن العلاء، وأحمد بن يوسف التغلبيّ، وصنّف كتابا حسنا في القراءات.
روى عنه الحروف محمد بن أحمد الدجوانيّ، وعبد الواحد بن عمر، وعبد الله بن أحمد الفرغانيّ. وممّن روى عنه ابن مجاهد غير أنّه دلّس اسمه فقال: حدّثني محمد بن عبد الله.
وقال أبو عبد الله الحاكم في تاريخ نيسابور:
سمعت أبا أحمد الحسين بن عليّ التّميميّ يقول:
أوّل ما سألني محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: ما كتبت عن محمد بن جرير الطبريّ؟
قلت: لا.
قال: لم؟
قلت: كان لا يظهر وكانت الحنابلة تمنع الدخول عليه.
فقال: بئس ما فعلت! ليتك لم تكتب عن كلّ من كتبت عنهم، وسمعت من أبي جعفر!
(١) ترجمة ابن خزيمة رقم ١٨٨١ ولكنّها مبتورة البداية، فلا ذكر فيها لهذا الاجتماع. والرّويانيّ تأتي ترجمته برقم ٣٤٥٨.