فأبوا أن يدعوه، فقال: والله لوددت أنّي دخلت عليهم فأعلمتهم ما جئت به ثمّ متّ- فانصرف إلى عسقلان.
وأجمع محمد بن أبي حذيفة على بعث جيش إلى عثمان، فقال: من يتشرّط (١) في هذا البعث؟
فكثر عليه من يتشرّط. فقال: إنّما يكفينا منكم ستّمائة رجل.- فتشرّط من أهل مصر ستّمائة رجل، على كلّ مائة منهم رئيس، وعلى جماعتهم عبد الرحمن ابن عديس البلويّ، وهم: كنانة بن بشر بن سلمان التجيبيّ، وعروة بن شتيم الليثيّ، وأبو عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعيّ، وسواد [٢٠٠ ب] بن رويان الأصبحيّ، وزرع بن يشكر اليافعيّ.
وسجن رجال من أهل مصر في دورهم، منهم بسر بن أرطاة، ومعاوية بن حديج. فبعث ابن أبي حذيفة إلى معاوية بن حديج وهو رمد ليكرهه على البيعة. فلمّا رأى ذلك كنانة بن بشر وكان رأس الشيعة الأولى، دفع عن معاوية بن حديج ما كره.
ثمّ قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه في ذي الحجّة سنة خمس وثلاثين. وقدم الركب الذين انصرفوا إلى عثمان، فدخلوا الفسطاط ومرتجزهم يرتجز:
خذها إليك واحذرن أبا الحسن ... إنّا نمرّ الحرب إمرار الرسن
بالسيف كي تخمد نيران الفتن
فلمّا دخلوا المسجد صاحوا: إنّا لسنا قتلنا عثمان ولكنّ الله قتله!
فلمّا رأى ذلك شيعة عثمان قاموا وعقدوا لمعاوية بن حديج عليهم وبايعوه على الطلب بدم عثمان، وساروا معه إلى الصعيد. فبعث إليهم ابن
أبي حذيفة خيلا فالتقوا بكورة البهنسى فهزم أصحاب ابن أبي حذيفة. ومضى معاوية بن حديج حتّى بلغ برقة، ثمّ رجع إلى الإسكندريّة. وبعث ابن أبي حذيفة بجيش آخر عليهم قيس بن حرمل اللخميّ، فاقتتلوا بخربتا أوّل يوم من شهر رمضان سنة ستّ وثلاثين، فقتل قيس وابن الخثماء [البلويّ] وأصحابهما.
وسار معاوية بن أبي سفيان من الشام إلى مصر، فنزل سلمنت من كورة عين شمس في شوّال منها، فخرج إليه ابن أبي حذيفة في أهل مصر، فمنعوا معاوية وأصحابه أن يدخلوا الفسطاط. فبعث إليه معاوية: إنّا لا نريد قتل أحد، إنّما جئنا نسأل القود لعثمان، ادفعوا إلينا قاتليه، وهم عبد الرحمن بن عديس، وكنانة بن بشر، وهما رأس القوم.
فامتنع ابن أبي حذيفة وقال: لو طلبت منّا جديّا أرطب السرّة بعثمان ما دفعناه إليك!
فقال معاوية بن أبي سفيان لابن أبي حذيفة:
اجعل بيننا وبينكم رهنا فلا يكون بيننا وبينكم حرب! فقال ابن أبي حذيفة: فإنّي أرضى بذلك.
فاستخلف ابن أبي حذيفة على مصر الحكم بن الصّلت بن مخرمة بن المطّلب بن عبد مناف، وخرج في الرهن هو وابن عديس وكنانة بن بشر وأبو شمر بن أبرهة بن الصبّاح وغيرهم من قتلة عثمان رضي الله عنه. فلمّا بلغوا لدّ سجنهم معاوية بن أبي سفيان بها، وسار إلى دمشق.
فهربوا من السجن، غير أبي شمر بن أبرهة فإنّه قال: لا أدخله أسيرا وأخرج منه آبقا.
وتبعهم صاحب فلسطين، فقتل محمد بن أبي حذيفة رشدين مولى معاوية في ذي الحجّة سنة ستّ وثلاثين، وقتل معه ابن عديس وكنانة بن
(١) يتشرّط في البعث: يتخرط فيه (ولم نجدها في القواميس).