وأوّل من سمعت منه الفقيه نصر المقدسيّ، كتبت عنه إملاء. (وقال): بلت الدم في طلب الحديث مرّتين: مرّة ببغداد، ومرّة بمكّة. وذلك أنّي كنت أمشي حافيا في حرّ الهواجر بهما فلحقني ذلك، وما ركبت قطّ دابّة في طلب الحديث. وكنت أحمل كتبي على ظهري إلى أن استوطنت البلاد.
وما سألت في حال طلبي أحدا وكنت أعيش على ما يأتي من غير سؤال.
وقال عبد الله بن محمّد الأنصاريّ الهرويّ:
ينبغي لصاحب الحديث أن يكون سريع النسخ سريع المشي، وقد رزق الله تعالى هذه الخصال هذا الشابّ- وأشار إلى محمّد بن طاهر المقدسي وكان قاعدا بين يديه.
وكان ابن طاهر مرّة بالمدينة فقال: لا أعلم أحدا أعلم بنسب هذا السيّد، وأشار إلى قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وآثاره وأحواله، منّي.
وقال السمعانيّ: سمعت بعض المشايخ يقول:
كان محمّد بن طاهر يمشي في ليلة واحدة قريبا من سبعة عشر فرسخا، وكان يمشي على الدوام بالليل والنهار عشرين فرسخا، وكان داوديّ المذهب.
وسئل عن مذهبه، فقال: اخترت مذهب داود.
وقال شيرويه بن شهردار الديلميّ في تاريخ همذان: محمّد بن طاهر المقدسي: سكن همذان وبنى بها دارا، ودخل الشام والحجاز ومصر والعراق وخراسان وكتب عن عامّة مشايخ الوقت وروى عنهم. وكان ثقة صدوقا حافظا عالما بالصحيح والسقيم حسن المعرفة بالرجال والمتون كثير التصانيف جيّد الخطّ لازما للأثر بعيدا من الفضول والتعصّب خفيف الروح قويّ السير في السفر كثير الحجّ والعمرة. مات ببغداد منصرفا من الحجّ في شهر ربيع الآخر سنة سبع وخمسمائة.
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر عن أبي القاسم إسماعيل بن محمّد بن الفضل الحافظ أنّه قال: أحفظ من رأيت محمّد بن طاهر.
وقال يحيى بن عبد الوهاب بن مندة: محمّد بن طاهر أحد الحفّاظ، حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، كان صدوقا عالما بالصحيح والسقيم، كثير التصانيف لازما للأثر.
وقال ابن النجّار: كان حافظا متقنا سريع القلم حسن التصنيف ذكيّ النفس حادّ الخاطر جيّد القريحة.
وقال السلفيّ: سمعت الحافظ أبا [٢٨٤ أ] الفضل محمّد بن طاهر المقدسي يقول: كتبت صحيح البخاريّ ومسلم وأبي داود سبع مرّات بالوراقة وكتبت سنن ابن ماجة عشر مرّات بالوراقة سوى التفاريق بالريّ. (وقال ابن طاهر): رحلت من طوس إلى أصبهان لأجل حديث أبي زرعة الرازيّ الذي أخرجه مسلم في الصحيح، ذاكراني به بعض الرجّالة بالليل، فلمّا أصبحت شددت على رحلي وخرجت إلى أصبهان، ولم أحلل عنّي حتّى دخلت على الشيخ أبي عمرو، فقرأته عليه عن أبيه عن أبي بكر القطّان عن أبي زرعة. ودفع إليّ ثلاثة أرغفة وكمثّراتين وما كان وقع إليّ تلك الليلة قوتي، ولم يكن لي قوت غيره. ثمّ لزمته إلى أن حصل ما كنت أريد ثمّ خرجت إلى بغداد. فلمّا عدت كان توفّي رحمه الله. (وقال): كنت أقرأ يوما على أبي إسحاق الحبّال جزءا، فجاءني رجل من أهل بلدي وأسرّ إليّ كلاما قال فيه: إنّ أخاك قد وصل من الشام، وذلك بعد دخول الأتراك بيت المقدّس وقتل الناس بها. فأخذت في القراءة، فاختلطت ولم يمكنّي أن أقرأ. فقال أبو إسحاق: ما لك؟
قلت: خير.