قال: لا بدّ أن تخبرني ما قال لك هذا الرجل.
فأخبرته، فقال: وكم لك لم تر أخاك؟
قلت: سنين.
قال: ولم لا تذهب إليه؟
قلت: حتّى أتمّم الجزء.
فقال: ما أعظم حرصكم يا أصحاب الحديث! قد تمّ المجلس، وصلّى الله على محمّد- وانصرف. (وقال): أقمت بتنّيس مدّة على أبي محمّد ابن الحدّاد ونظرائه فضاق بي فلم يبق معي غير درهم. وكنت في ذلك اليوم أحتاج إلى خبز وإلى كاغد، فكنت أتردّد: إن صرفته في الخبز لم يكن لي كاغد، وإن صرفته في الكاغد لم يكن لي خبز. ومضى على هذا ثلاثة أيّام ولياليهنّ لم أطعم فيها. فلمّا كان بكرة اليوم الرابع قلت في نفسي:
لو كان لي اليوم كاغد لم يمكنّي أن أكتب فيه شيئا لما بي من الجوع- فجعلت الدرهم في فمي، وخرجت لأشتري الخبز، فبلعته. ووقع عليّ الضحك فلقيني أبو طاهر ابن خطّاب الصائغ المواقيتي بها وأنا أضحك. فقال: ما أضحكك؟
قلت: خير.
فألحّ عليّ وأبيت أن أخبره فحلف بالطلاق لتصدّقني لم تضحك؟
فأخبرته، فأخذ بيدي وأدخلني منزله وتكلّف لي ذلك اليوم ما أطعمه. فلمّا كان وقت الظهر خرجت أنا وهو إلى الصلاة، فاجتمع به بعض وكلاء عامل كان يتنيس يعرف بابن قادوس، فسأله عنّي. فقال: هو هذا؟
فقال: إنّ صاحبي منذ شهر أمرني أن أوصل إليه كلّ يوم عشرة دراهم قيمتها ربع [٢٨٤ ب] دينار وسهوت عنه.
فأخذ منه ثلاثمائة درهم وجاءني وقال: قد سهّل الله رزقا لم يكن في الحساب- وأخبرني بالقصّة.
فقلت: نكون عندك ونكون على ما نحن عليه من الاجتماع إلى وقت الخروج، فإنّني وحدي وليس لي من يقوم بأمري.
ففعل، وكان بعد ذلك يصلني ذلك القدر إلى أن خرجت إلى الشام.
وقال أبو عبد الله محمّد بن عبد الواحد الدقّاق الأصبهاني الحافظ: رأيت من الشبّان الواردين علينا محمّد بن طاهر المقدسيّ: كان صوفيّا ملامتيّا، سكن الريّ وفارقها ثمّ سكن همذان. له كتاب سمّاه «صفوة الصوفيّة»، كان له أدنى معرفة بالحديث في باب شيوخ البخاريّ ومسلم وغيرها.
وقال السمعانيّ عن أبي الفضل بن ناصر:
محمّد بن طاهر ممّن لا يحتجّ به، صنّف كتابا في جواز النظر إلى المرد. كان يذهب مذهب الإباحة (قال): وسألت إسماعيل بن الفضل الحافظ عن ابن طاهر، فتوقّف ثمّ أساء الثناء عليه، وكان سيّئ الرأي فيه. (قال): وسمعت أبا الحسن عليّ بن الحسن بن هبة الله الحافظ بدمشق يقول: جمع محمّد بن طاهر أطراف الصحيحين وكتاب أبي داود وأبي عيسى الترمذي وأبي عبد الرحمن النسائيّ وابن ماجة وأخطأ فيه في مواضع خطأ فاحشا.
وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: وله مصنّفات كثيرة، إلّا أنّه كثير الوهم. وله شعر حسن مع أنّه لا يحسن النحو (١). وسمعت أبا العلاء الحسنبن أحمد يذكر أنّ ابن طاهر ابتلي بهوى امرأة من أهل الرستاق كانت تسكن قرية على ستّة فراسخ، فكان يذهب كلّ يوم إلى قريتها فيراها تغزل في ضوء السراج، ثمّ يرجع إلى
(١) قد مرّ بنا نموذج من خطئه في النحو.