للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال ابن زولاق: وكان أبو عبيد الله محمد بن عبدة بن حرب يذهب إلى قول أبي حنيفة. وكان جبّارا متملّكا سخيّا جوادا مفضالا. وكان له مائة مملوك ما بين خصيّ ومزلّم (١). وكان محدّثا عارفا بالحديث، وحدّث بمصر وبغداد. وكانت له مع أصحاب الحديث ببغداد لوثة، فكان يحدّث عن شيبان بن فرّوخ، وإبراهيم بن الحجّاج، ويحيى الحماني. وكان سبب أمره ببغداد أنّ موسى بن هارون الحمّال حدّث بمجلس حسن (٢)، وانتشر في أيدي أصحاب الحديث، وأخرج بعض الحفّاظ لأبي عبيد القاضي من حديثه مثل [ذلك] المجلس عن أولئك بأعيانهم وأرسله. فقال الناس: هذامجلس موسى بن هارون.

قال القاضي أبو طاهر الذهليّ: وأنا كتبت المجلس [الأوّل] عن موسى بن هارون [والمجلس الآخر] (٣) عن أبي عبيد الله، فظنّ أصحاب الحديث أنّ المجلس سرقه أبو عبيد الله، ولم يكن كذلك، وإنّما كان باتّفاق الحديث والشيوخ.

ولمّا مات القاضي بكّار بن قتيبة جعل الأمير أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون أبا عبيد الله على المظالم فنظر بين الناس إلى آخر سنة سبع وسبعين. ثمّ ولّاه القضاء فنظر فيه وحكم بين الناس أوّل سنة ثمان وسبعين ومائتين، وأظهر كتابه من جهة الخليفة المعتمد على الله أبي العبّاس أحمد ابن المتوكّل، فاستكتب أبا جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الطحاويّ واستخلفه وأغناه.

وكان أبو عبيد مهيبا يرهبه الشهود ويخافونه، وكان الشهود يلزمون مجلسه، فاتّفق أنّه حضر المسجد الجامع للقضاء، فلمّا كان قرب انصرافه، جاء أحد الشهود إلى مجلسه فنظر إليه ودعا به، وقال: ما أخّرك إلى هذا الوقت مع علمك بجلوسي؟

فقال: شغل.

فقال: شغل؟ كأنّك أشغل منّي؟ سر إلى السجن!

فقام وحده وفتح باب المقصورة ومضى وحده إلى السجن. فلمّا أراد أبو عبيد الله القيام تكلّم الشهود بسببه فقال: إذا انصرفتم فخذوه معكم! - وكان له شهود كثير.

واقتنى بمصر دارا عظيمة ذكر عنها أنّه قال: أنفقت في [٥ ب] هذه الدويرة مائة ألف دينار، سوى [أصل] الثمن ودرهمي دينار، والسعيد من قضى لي حاجة، [يعني: فيكون مصروفها ضعف ما ذكر].

وكان أبو الجيش يجلّه ويعظّمه إلى الغاية، وكان عند الناس من المهابة والإجلال في العلياء.

وكان أبو الجيش يجري عليه في كلّ شهر ثلاثة آلاف دينار. وكان ينظر في القضاء والمواريث والأحباس والحسبة. وكان له مجلس في الفقه يحضره جماعة من الفقهاء كأبي سعيد محمد بن عقيل الفريابي، وأبي جعفر الطحاويّ، ومجلس في الحديث يحضره جماعة من الحفّاظ كأحمد بن محمّد بن رشدين، والطحاويّ، وابن السكّريّ.

وكان يطعم الناس في داره في كلّ عيد، فلا يتأخّر عنه أحد من وجوه البلد من فقيه وشاهد ومتفقّه وصاحب حديث ومحدّث ووجوه الكتّاب ووجوه القوّاد ووجوه التجّار، ويتولّى خدمة الناس صاحبه يحيى بن محمد بن عمروس المعدّل أحد شهوده. وكان خاصّا به، وهو الذي يقال فيه:


(١) المزلّم من الرجال: القصير الخفيف الظريف. وفي كتاب الولاة ٥١٥: ما بين خصيّ وفحل.
(٢) موسى بن هارون [البزّار] الحمّال (ت ٢٩٤): أعلام النبلاء ١٢/ ١١٦ (٣٩)، ولم يذكر له مجلس [أو جزء] حسن.
(٣) زيادة من الكنديّ ٥١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>