«الق يحيى والقني تلق رشدا».
وكانت أسرار القاضي أبي عبيد الله عنده.
وكان أبو جعفر الطحاويّ قد نهض في أيّامه فكان يجلس بين يديه ويقول للخصوم وهو بين يديه: من مذهب القاضي، أيّده الله، كذا ... ومن مذهبه كذا وكذا، حاملا عنه وملقّنا له.- فأحسّ القاضي منه تيها واستظهارا فقال له: ما هذا الذي أنت فيه؟ والله لو أرسلت قصبة في حارتك، لقال الناس: هذه قصبة القاضي. فاسكن يا أبا جعفر!
وكان قويّ النفس والبيان، فرأى يوما من أبي الجيش انكسارا، فقال له: ما الخبر أيّها الأمير؟
فشكا إليه ضيق الحال واستئثار الغلمان والقوّاد بالضياع. فخرج إليهم وهم في موضع من الدار- وهم فائق، وبدر، ولؤلؤ، وقباوجي، وكنجو، ومحمد بن أبا، وأحمد بن فجاة، وسوّار بن مسهر، وجماعة- فقال: ما هذا الذي يلقاه الأمير؟
إنّي والله أشدّ السّيف والمنطقة وأحمل عنه- ووقفهم على أمور رضيها أبو الجيش وشكره عليها.
وأراد أبو جعفر الطحاويّ مقاسمة عمّه في ريع كان بينهما، فحكم له القاضي أبو عبيد الله بالقسم، وأرسل إلى أبي جعفر بمال يستعين به فيالقسم. ووافق ذلك حضور إملاك في مجلس أبي الجيش، فحضره أبو جعفر وقرأ الكتاب وعقد النكاح. ثمّ خرج خادم بصينيّة فيها مائة دينار وطيب. فقال: كمّ القاضي! [٦ أ] فقال القاضي:
كمّ أبي جعفر!
ثم خرج إلى الشهود وكانوا عشرة- بصينيّة لكلّ واحد، والقاضي يقول: كمّ أبي جعفر!
ثمّ خرجت صينيّة أبي جعفر، فانصرف أبو جعفر باثنتي عشرة صينيّة فيها ألف دينار ومائتا دينار، سوى الطيب.
ولم يزل أبو عبيد الله ينظر في القضاء وما أضيف إليه، ويصطنع الناس والشهود وينفع من قصده، إلى أن قتل أبو الجيش بدمشق، ووصل تابوته إلى مصر. فصلّى عليه القاضي، وولي ابنه جيش، وأبو عبيد الله على حاله، إلى أن خلع جيش بن خمارويه وخلع عليّ بن أحمد الماذرائيّ في الفتنة التي ثارت عند المنظر، وكان القاضي راكبا يريد المنظر، فبلغه الخبر، فرجع إلى داره وأغلق أبوابه واستتر من عاشر جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين ومائتين مدّة عشر سنين. فانحرف الناس عن أصحابه وأغروا بهم محمد بن أبّا خليفة هارون بن جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون، فاعتقل أبا جعفر الطحاويّ وطلبه بحساب الأوقاف، وجماعة من خاصّة أبي عبيد، ولم يتطلّب أحد أبا عبيد الله، بل قنعوا منه بالجلوس في داره. واعتلّ مرّة مزيّنة، وكان مقيما بمنزله، فاحتاج إلى مزيّن فأدخل إليه مزيّن، فلمّا فرغ قال له: أين منزلك؟ - فذكره، فأرسل إلى منزله وعياله من يقوم لهم بأمرهم، وأقام المزيّن في داره ثلاث سنين خوفا من أن يخبر أنّه رآه، فإنّه كان أظهر أنّه قد سار إلى العراق، وكانت مدّة ولايته إلى أن استتر ستّ سنين وتسعة أشهر.
وكان عليّ بن أحمد الماذرائيّ قد أودع عند أبي عبيد الله مالا جزيلا، وأودع عند هارون بن عليّ العبّاسيّ مالا جزيلا. فلمّا قتل عليّ بن أحمد طلب ولده أبو بكر محمّد بن عليّ المال من أبي عبيد الله، فدافعه وقال: أمرني أبوك أن أشتري لكم به ضياعا بالبصرة وأعمال العراق، وقد اشتريت.
فطلب من العبّاسيّ المال الذي عنده، فقال:
أرسل من يستلمه.- فوجد الأكياس قد عشّش