للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واجتمع بالسلطان، فأقبل عليه إقبالا زائدا، وتقدّم له بأن يخطب بجامع القلعة فخطب، وصلّى بالسلطان فأعجب بخطبته. ثمّ إنّه بعد انقضاء الصلاة قبّل يد السلطان واعتذر أنّه من أثر السفر ولم يكن في ظنّه أن يخطب ويصلّي بالسلطان.

فشكره على خطبته وسأله عن أحواله وما عليه من الديون. وكان نائب الشام قد كتب بالشكر والثناء عليه وأنّه اجتمع عليه بسبب مكارمه ديون عجز عن وفائها. فأخبر السلطان بأنّها تزيد على ثلاثين ألف درهم فرسم بوفائها عنه. ونزل من القلعة إلى خانقاه سعيد السعداء، إلى يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الآخرة، [ف]- خلع عليه، واستقرّ في قضاء القضاة بدمشق، وسافر على البريد في يوم الاثنين رابع عشرينه. فوصل إلى دمشق في خامس شهر رجب. وأوفى السلطان عنه ما كان من الدّين، وهو مبلغ ألف دينار ومائة وستّون دينارا.

ودرّس بدمشق في الغزاليّة والعادليّة مع استمراره في خطابة جامع بني أميّة، وهو ثالث من اجتمعت له الخطابة والقضاء بدمشق، وهم: عماد الدين عبد الكريم بن عبد الصمد الحرستانيّ، وبدر الدين محمد ابن جماعة، والجلال محمد القزوينيّ المذكور.

فلم يزل إلى أن استدعي من دمشق إلى [١٦ ب] القاهرة، فوافى والسلطان بسرياقوس يوم الجمعة ثالث عشرين شهر جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة. فخطب بجامع خانقاه سرياقوس، وصلّى بالسلطان الجمعة، وبالغ السلطان في إكرامه. ثمّ صار مع السلطان إلى قلعة الجبل، فخلع عليه وأركبه بغلة بزنّاري في جوخ (١)، وفوّض إليه قضاء القضاة بديار مصر عوضا عن بدر الدين محمد ابن جماعة، وأضيف إليه تدريس المدرسة الصالحيّة والمدرسة الناصريّة، ومدرسة الشريف ابن ثعلب، ودار الحديث الكامليّة، وخطابة جامع القلعة، شريكا لابن القسطلانيّ. واستقرّ ابنه بدر الدين محمد في خطابة جامع بني أميّة (٢).

وتوجّه إلى دمشق فقام بالدروس حقّ القيام، وباشر القضاء بحسن سياسة ومكارم جمّة. وبلغ من العزّ والوجاهة ما لا يوصف.

وحجّ مع السلطان في سنة اثنتين وثلاثين، ورتّب له ما يكفيه فوصله بجملة كبيرة.

وكان إذا جلس في دار العدل لم يكن لأحد معه كلام، ويذيّل على ما يكتبه السلطان بدار العدل، وتخرج قصص كثيرة مقضيّة الشغل بوسيلته وشفاعته. وحصل لأهل الشام به رفق كثير ونجحت أمورهم، وتيسّرت حوائجهم.

وكان جميل المحاضرة حسن التلقّي لا يردّ سائلا يسأله، فصيحا جميلا، حلو العبارة مليح الصورة، موطّأ الأكناف سمحا جوادا حليما جمّ الفضائل حادّ الذهن عارفا بالجدل جيّد البحث يمشي فيه على القواعد مع إنصاف وتأنّ، وقوّة الذكاء والميل إلى الأدب وأهله، وله فيه ذوق كثير [١٧ أ] ويستحضر من مختاره قطعة كبيرة، ويكتب الخطّ الحسن. وكان يتعصّب لناصح الدين الأرّجانيّ الشاعر (٣)، واختار شعره وسمّاه: الشذر المرجانيّ من شعر الأرّجانيّ.

وما برح في قضاء القضاة حتّى صرف عنه في


- المملوكيّة ١٠٦).
(١) الزّنّاري: لحاف للفرس أو البغلة مفتوح على الصدر ويغطّي الظهر وذيل الدابّة (دوزي)، والجوخ والمجوّخ بالجاخات: مخطّط بأشرطة ملوّنة للزينة (الملابس-
(٢) البدر القزوينيّ تأتي ترجمته برقم ٣١٢٠ ج ٧، والإشارة إلى هذه وتلك مفقودة.
(٣) ناصح الدين أحمد بن محمد الأرّجاني (ت ٥٤٤) له ديوان مطبوع، الأعلام ١/ ٢٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>