للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أشهدكم أنّي خلعت أبا أحمق- يريد أبا أحمد- كما خلعت الخاتم من الأصبع فالعنوه!

فلمّا قدم الموفّق إلى دمشق وواقع أبا جيش خمارويه بن أحمد بن طولون خارج الرملة وعاد إلى دمشق أخذ يزيد [بن محمّد] بن عبد الصمد، [و] أبا زرعة الدمشقيّ المحدّث، وأبا زرعة هذا وقيّدهم وأرسلهم إلى بغداد. فلمّا كان في أثناء الطريق، أحضرهم وقال: «أيّكم القائل: قد خلعت أبا أحمد؟ »

فخرس يزيد وأبلس أبو زرعة الدمشقيّ، وكان أحدثهم [سنّا] أبو زرعة محمد بن عثمان هذا، فقال: أصلح الله الأمير ...

فقال له أحمد بن محمد الواسطيّ كاتب ابن طولون وقد صار مع الموفّق: قف يا هذا حتى يتكلّم [من هو] أكبر [سنّا] منك!

فقال أبو زرعة الدمشقيّ: أصلحك الله، هو يتكلّم عنّا.

فقال: تكلّم!

فقال: والله ما فينا هاشميّ صريح، ولا قرشيّ صحيح ولا عربيّ فصيح، ولكنّا قوم ملكنا وقهرنا.- ثمّ روى أحاديث في السمع والطاعة وأحاديث في العفو والإحسان، وقال: أشهدك أيّها الأمير أنّ نسائي طوالق وعبيدي أحرار ومالي حرام إن كان أحد في هؤلاء القوم قال هذه الكلمة (١)، [٨٦ ب] ووراءنا حرم وعيال وقد تسامع الناس بهلاكنا، وقد قدرت، وإنّما العفو بعد المقدرة.

فقال للواسطيّ: أطلقهم، لا كثّر الله أمثالهم!

فسار أبو زرعة إلى حمص. ثمّ قدم إلى مصر.

وولي القضاء بدمشق من قبل أبي الجيش

خمارويه بن أحمد بن طولون لأنّه كان في عهده أنّ القضاء إليه.

وقيل: كتب له الخليفة المعتضد بالله أبو العبّاس أحمد ابن الموفّق عهدا. والصحيح أنّ ولايته كانت من قبل خمارويه.

قال ابن زولاق: حدّثني عبد الله بن عبد الكريم قال: كان أبو زرعة خبيثا نكرا. ولمّا قدم مصر لزم قبر أحمد بن طولون وجعل يتردّد إليه ويبكي، ويصل خبره في كلّ ذلك إلى أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، فأعجبه ذلك. ثمّ دخل على أبي الجيش ومعه رغيف حواري فقال: أيّها الأمير، هذا الرغيف ختمت عليه عشر ختمات وقرأت عليه عشرة آلاف: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، فأخذه منه أبو الجيش وحسن موقعه منه، وكان سببا لولايته القضاء بالشام، فولي قضاء دمشق، و [ ... ] (٢). ثمّ لمّا استتر القاضي أبو عبيد الله محمد بن عبدة بن حرب في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين ومائتين، بقيت مصر بغير قاض. ثمّ ولّى الأمير أبو موسى هارون بن خمارويه أبا زرعة محمد بن عثمان قضاء مصر وفلسطين والأردنّ ودمشق. فأقام بمصر، وكانت ولايته في سنة أربع وثمانين [ومائتين]. فلم يزل واليا [والقاضي مستتر] (٣) حتّى دخل محمد بن سليمان الكاتب إلى مصر آخر صفر سنة اثنتين وتسعين، فأعاد محمد بن عبدة بن حرب إلى القضاء يوم السبت ثاني ربيع الأوّل سنة اثنتين وتسعين، فهنّأه الناس بالسلامة، ثمّ ولي عوضا عن أبي زرعة في سابعه.

ولمّا خرج محمد بن سليمان من مصر حمل أبا زرعة فيمن حمل معه إلى بغداد في ليلة الأحد ثالث رجب منها، فكانت ولاية أبي زرعة القضاء ثماني سنين وشهرين.


(١) فأخرج نفسه من قسمه، ورواية السبكيّ ٣/ ١٩٧ أوضح.
(٢) بياض بسطرين.
(٣) أكملنا تخمينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>