للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن عقوبته، ورسم عليه وجعله في قاعة بمفرده.

وأخذ الأشرف يسعى في خلاصه ويبعث إلى طرنطاي وغيره إلى أن شفع فيه عند السلطان، فأطلقه وأمر بصرفه. فلزم داره إلى أن خرج الركب إلى الحجاز في شوّال، فسافر يريد الحجّ.

فقدّر الله موت الملك المنصور وسلطنة الأشرف في ذي القعدة، فقبض على طرنطاي، وجعل يقول لمّا جيء إليه بأمواله: أين أنت [٩٢ أ] يا ابن السلعوس؟ - وكتب إليه كتابا يخبره بما صار إليه من سلطنة مصر وكتب بخطّه بين الأسطر: يا شقير (١)، يا وجه الخير، عجّل السير! فقد ملكنا.

فوافاه الكتاب في عوده من الحجّ، فأتاه أعيان الركب وصاروا في خدمته حتى صعد قلعة الجبل يوم الثلاثاء العشرين من المحرّم سنة تسعين وستّمائة. فأكرمه السلطان وفوّض إليه الوزارة في يوم الخميس ثاني عشرينه وخلع عليه، ورسم لبيدرا نائب السلطنة وسنجر الشجاعيّ وجميع الأمراء وسائر أرباب الدولة من القضاة ونحوهم أن يجوّدوا في خدمته (٢)، وحمل بغدي الدوادار الدواة قدّامه. وجلس في دست عظيم لم يعهد لوزير مثله، ومكّنه من الدولة تمكّنا لم ينله وزير من وزراء الدولة التركيّة قبله. وجرّد في خدمته جماعة من المماليك السلطانيّة يركبون قدّامه في الموكب ويترجّلون في ركابه ويقفون بين يديه وينصرفون بأمره. فصار إذا ركب من داره بحارة زويلة من القاهرة إلى القلعة لا يخرج حتى يجتمع ببابه نظّار الدولة (٣) ومشدّ الدواوين، ووالي القاهرة، ووالي مصر، ومستوفي الدولة، ونظّار

الجهات، ومشدوّ المعاملات، والأعيان. ثمّ يحضر آخر الناس قضاة القضاة الأربعة بأتباعهم.

فإذا تكامل جميع الموكب بالباب، ويكون آخرهم مجيئا القضاة، دخل الحجّاب إلى الوزير وعرّفوه حضور القضاة الأربعة، فيخرج عند ذلك، ويسير راكبا، والخلائق بين يديه على طبقاتهم، وأقربهم إليه قاضي القضاة الشافعي، وقاضي القضاة المالكيّ، ويكون أمامه أمامهما قاضي القضاة الحنفيّ، وقاضي القضاة الحنبليّ، ثمّ نظّار الدولة والأعيان، والمستوفون بالدولة، ونظّار الجهات. فيستمرّ القضاة معه كذلك حتى يستقرّ في مجلسه من القلعة، ثم ينصرفون إلى منازلهم، ويعودون عشيّة النهار إلى القلعة حتّى ينزل وهم بين يديه إلى داره.

وتأخّر ليلة بالقلعة إلى قرب العشاء الآخرة وأغلق باب القلعة، فانقلب الموكب من باب القلعة إلى باب الإصطبل ووقف الجميع إلى أن خرج وركب، فساروا في خدمته بين يديه إلى داره على عادته، ولم يحل بذلك قطّ في سائر أيّامه.

وكان لا ينتصب لأحد قائما، ثمّ لمّا عظم موكبه- فإنّ مباشري الدولة من الكتّاب والمشدّين كانوا حينئذ عددا كثيرا- صاروا يزدحمون في شوارع القاهرة وتضيق بهم لكثرتهم، وتزدحمهم غلمانهم.

فانتقل من القاهرة لهذا السبب، وسكن القرافة.

فاحتاج الناس إلى الركوب من القاهرة إلى القرافة حتّى يقفوا ببابه ليركبوا معه إلى القلعة فتعاظم تعاظما مفرطا، واستخفّ بالناس، وتعدّى طور الوزير بحيث كان [٩٢ ب] أكابر الأمراء إذا دخلوا مجلسه لا يستكمل القيام لأحد منهم، وفيهم من لا يلتفت إليه، ويستدعي أمير جندار والأستادار على كبر مناصبهما، ولا يخاطب واحدا منهما بلقبه بل يقول: فلان أمير جندار! وفلان أستادار!

ثم ترفّع عن هذه الرتبة واستخفّ بالأمير بدر


(١) في الوافي: وكان أشقر سمينا أبيض ... وانظر السلوك ١/ ٧٦٠.
(٢) في السلوك ١/ ٧٦١: ويمتثلون أمره.
(٣) في المخطوط: نظار النظار، والإصلاح من السلوك ١/ ٧٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>