للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدين بيدرا نائب السلطنة، ولم يعبأ به وشاركه في متعلّقات النيابة، واستبدّ عنه، وعارضه فيما له فيه غرض. فلم يجد بيدرا بدّا من الاحتمال، لما يعلمه من إفراط عناية السلطان به، بحيث إنّ الوزير قام يوما من مجلس الوزارة بالقلعة في بعض أيّام المواكب، وقصد الدخول إلى الخزانة السلطانيّة فصادف خروج الأمراء من الخدمة قدّام النائب، فبادر أكابر الأمراء إلى خدمة الوزير، وقبّل بعضهم يده، وأخلوا له بأسرهم الطريق، وهمّوا بالرجوع معه، فما زادهم على أن أومأ إليهم لينصرفوا. وعند ما وطئ عتبة باب القلعة ليدخله وافى الأمير بيدرا النائب، فسلّم كلّ منهما على الآخر، وأومأ بالخدمة. وكان النائب أكثر خدمة للوزير من خدمة الوزير له. ثمّ رجع النائب معه ومشى، من غير أن يسامته في مشيته بل تقدّم يسيرا. وبقي يميل إليه بوجهه ويحدّثه حتى وصل معه إلى داخل الباب الثاني. فأمسك الوزير بيده وأشار له بأن يرجع ولم يزد على أن قال له: باسم الله، يا أمير بدر الدين!

فلم يزل على حاله من التمكّن التامّ إلى أن خرج الملك الأشرف إلى الصيد بناحية البحيرة.

فتقدّم الوزير من الطرانة إلى الإسكندريّة ليعبّئ القماش ويجهّز (١) الأموال. فكتب إلى السلطان يغريه بالأمير بيدرا النائب، وأنّ نوّابه قد استولت على جميع ما في الثغر، وأنّه لم يجد ما يكفي به التعابى الجاري بها العادة. فاشتدّ غضب السلطان على بيدرا، وأخرق به حتى حمله ذلك على قتل السلطان كما ذكر في ترجمته (٢). فلم يشعر ابن السلعوس، وقد شدّد في الطلب على أهل

الإسكندريّة، واشتدّ خوف أعيانها منه، إلّا وقد وقعت بطاقة في آخر يوم السبت عاشر المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستّمائة من تروجة بقتل الملك الأشرف. فأخذها الأمير سيف الدين الجاكي متولّي الخبر وكتم الخبر حتى جنّ الليل. واستأذن على ابن السلعوس، فلمّا دخل عليه قال له: ما الذي جاء بك في هذا الوقت؟ هل ظهرت لك مصلحة يعود نفعها؟

فقال: يا مولانا، لم يخف [٩٣ أ] عن علمك أنّ أهل الثغر غزاة مرابطون، وما قصد واحد له مقصوده (٣)، والذي يراه المملوك أن يحسن مولانا إليهم، ويبسّط خواطرهم، ويفرج عنهم.

فسبّه أقبح سبّ وهمّ أن يوقع به، فأخرج إليه البطاقة، فلمّا قرأها سقط في يده وترفّق للوالي، وصار يخاطبه فيقول: يا خوند، بعد ما كان يسبّه، فلم يؤاخذه الوالي بما كان منه إليه، وأخذه إلى باب المدينة وفتح الباب، وأمره فمضى، وجدّ في سيره إلى أن نزل بزاوية للشيخ جمال الدين ابن الظاهريّ خارج باب البحر من القاهرة في الليل، وبات ليله ساهرا لم ينم، وركب سحرا إلى داره وجلس في دسته بهيبة، فأتاه القضاة والأعيان للسلام عليه، فجرى معهم على عادته من الكبر والتعاظم. واستشار من يثق به فيما يفعل، فأشار عليه بأن يختفي حتى تسكن الفتنة، وتستقرّ القاعدة، فقال: هذا لا نفعله، ولا نرضاه لعامل من عمّالنا، فكيف نختاره لأنفسنا؟

وبقي على حاله، والناس تتردّد إليه خمسة أيّام. وكانت رسالة دور الملك الأشرف ترد على الأمير كتبغا، وهو القائم حينئذ بأمر الدّولة، تتضمّن الشفاعة في ابن السلعوس، وأنّه لا


(١) في السلوك ١/ ٧٨٨ نقلا عن النويري: ويحصّل.
(٢) ترجمة بيدرا المنصوريّ مرّت برقم ١٠٠٩ وترجمة الأشرف خليل برقم ١٣٩٧.
(٣) كلام مطموس.

<<  <  ج: ص:  >  >>