وقال ابن النجّار: أقام بإشبيليّة إلى سنة ثمان وتسعين، ثمّ دخل بلاد الشرق.
وقال ابن الأبّار: أخذ عن مشيخة بلده ومال إلى الآداب، وكتب لبعض الولاة. ثمّ رحل إلى المشرق حاجّا فأدّى الفريضة ولم يعد بعدها إلى الأندلس.
وقال أبو محمد المنذريّ: ذكر أنّه سمع بقرطبة من أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال وجماعة سواه. وسمع بإشبيليّة من أبي بكر محمد بن خلف بن صاف [اللخميّ]، وأنّه سمع بمكّة وبغداد والموصل وغيرها من جماعة. وطاف البلاد، وسكن بلاد الروم مدّة، وجمع مجاميع في الطريقة.
وقال ابن الأبّار: وسمع الحديث من أبي القاسم الحرستانيّ، وسمع صحيح مسلم مع شيخنا أبي الحسن ابن أبي نصر في شوّال سنة ستّ وستّمائة. وكان يحدّث بالإجازة العامّة عن السلفيّ ويقول بها. وبرع في علم التصوّف [١٥٤ أ]. وله في ذلك مصنّفات جليلة طويلة كثيرة. لقيه جماعة من العلماء والمتعبّدين وأخذوا عنه.
وقال أبو جعفر ابن الزبير: وجال في بلاد المشرق، وأخذ في رحلته. وألّف في التصوّف وما يرجع إليه، وفي التفسير، وغير ذلك تواليف لا يأخذها الحصر، منها: كتاب الجمع والتفصيل في إبداء معاني التنزيل، وكتاب كشف المعنى في تفسير الأسماء الحسنى، وكتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام، إلى غير ذلك. وله شعر، وتصرّف في فنون من العلم، وتقدّم في علم الكلام والتصوّف.
وقال ابن الدبيثيّ: قدم بغداد في سنة ثمان وستّمائة. وكان يومأ إليه بالفضل والمعرفة.
والغالب عليه طرق أهل الحقيقة. وله قدم في الرياضة والمجاهدة، وكلام على لسان أهل التصوّف. ورأيت جماعة يصفونه بالتقدّم والمكانة عند جماعة من أهل هذا الشأن بدمشق وبلاد الشام والحجاز. وله أصحاب وأتباع. ووقفت له على مجموع من تأليفه، وقد ضمّنه منامات رأى فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وما سمعه منه، ومنامات قد حدّث بها عمّن رآه صلّى الله عليه وسلم. فكتب عنّي شيئا من ذلك، وعلّقت عنه منامين فحسب.
وقال ابن النجّار: وكان قد صحب الصوفيّة وأرباب القلوب، وسلك طريق الفقر. وحجّ وجاور، وصنّف كتبا في علم القوم، وفي أخبار مشايخ المغرب وزهّادها. وله أشعار حسنة وكلام مليح. اجتمعت به بدمشق في رحلتي إليها، وكتبت عنه شيئا من شعره. ونعم الشيخ هو! ذكر لي أنّه دخل بغداد في سنة إحدى وستّمائة فأقام بها اثني عشر يوما. ثمّ دخلها ثانيا حاجّا مع الركب في سنة ثمان وستّمائة. وأنشدني لنفسه [الطويل]:
أيا حائرا ما بين علم وشهوة ... ليتّصلا، ما بين ضدّين من وصل
ومن لم يكن يستنشق الريح لم يكن ... يرى الفضل للمسك الفتيق على الزبل
وسألته عن مولده فقال: في ليلة الاثنين سابع عشر رمضان سنة ستّين وخمسمائة بمرسية من بلاد الأندلس.
وقال ابن مسدي: كان يلقّب بالقشيريّ، لقبا غلب عليه لما كان يشير من التصوّف إليه. وكان جميل الجملة والتفصيل، محصّلا لفنون العلم أخصّ تحصيل. وله في الأدب الشأو الذي لا يلحق، والتقدّم الذي لا يسبق. سمع ببلده من أبي عبد الله محمد بن [١٥٤ ب] سعيد بن زرقون القاضي، ومن الحافظ أبي بكر محمد بن