للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كتب، منها المفصّل في النحو، حفظه في مائة يوم. وحفظ مقامات الحريريّ في خمسين يوما، وديوان المتنبّي في أسبوع. وبرع في العقليّات والنحو والأدب، وصار أحد العلماء المتقنين، له معرفة تامّة بالفقه، وأصول الفقه والدين، قد صارا له طباعا لا يتكلّفهما.

وأفتى ودرّس بدمشق ومصر والقاهرة في عدّة مدارس. وكان له أنس بعلم الحديث وشعر رائق، مع ذكاء مفرط ووجاهة عند الملوك والأكابر.

وكان يضرب المثل باسمه فارسا في البحث نظّارا عجيب الحافظة كثير الأسفار، جيّد المحاضرة.

توفّي يوم الأربعاء الرابع والعشرين [١٨٩ أ] من ذي الحجّة سنة ستّ عشرة وسبعمائة.

وكان قد تخصّص بالأمير جمال الدين آقوش الأفرم اختصاصا زائدا، وبعثه إلى مصر في سنة ثلاث وسبعمائة في رسالة إلى الأمير بيبرس الجاشنكير فأكرمه وأخذ له تدريس الناصريّة بدمشق ثمّ أعاد إليه المدرسة الخاتونيّة والمدرسة العذراويّة وركّبه البريد إلى دمشق، فلم يوافق أهل دمشق على ذلك ومنعوه فامتنع.

ثمّ قدم مصر ثانيا في رسالة إلى الملك المظفّر بيبرس فأقام عنده، وصار هو وشمس الدين ابن عدلان من أخصّائه. فلمّا عاد الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى الملك بعد فرار بيبرس، دخل عليه ابن المرحّل للهناء. فلمّا قبّل يده قال له: كيف تقول:

ما للصبيّ وما للملك يكفله ...

فأقسم بالله أنّه لم يقله، وإنّما الأعداء قصدوا إتلافي بهذا وزادوا هذا البيت، فأغضى عنه.

وكان ابن المرحّل قد مدح المظفّر بقصيدة منها [البسيط]:

ما للصبيّ وما للملك يكفله ... شأن الصبيّ لغير الملك مألوف (١)

وفيه يقول الأديب شهاب الدين أحمد بن عبد الدائم الشارمساحيّ (٢)، من أبيات يهجو بها المظفّر بيبرس قد ذكرتها في ترجمته [البسيط]:

ومن يقوم ابن عدلان بنصرته ... وابن المرحّل، قل لي: كيف ينتصر؟

ثمّ إنّ السلطان ولّاه تدريس زاوية الإمام الشافعيّ المعروفة اليوم بالخشّابيّة من جامع عمرو بن العاص، عوضا عن الصاحب ضياء الدين عبد الله بن أحمد النشائيّ في يوم الخميس مستهلّ رجب سنة ثنتي عشرة وسبعمائة ودرّس فيها يوم الأربعاء سادسه. ثمّ ولّاه تدريس الزاوية المجديّة بجامع عمرو بن العاص بمصر، في يوم السبت ثاني جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وسبعمائة بعد عزل الفقيه جلال الدين أبي الحسن عليّ بن عبد الله بن عبد القويّ بن أبي الحسن بن أبي المجد بن ناجي بن سليمان المدلجيّ الشافعيّ المعروف بالعصلوجيّ.

وبعثه في الرسالة إلى الأمير مهنّا بن عيسى أمير العرب ليردّه إلى الطاعة ويحضر بأحد أولاده، وكان مهنّأ صديقا لابن المرحّل. فقدم عليه وما زال به حتى أصلح ما بينه وبين السلطان ووعده بردّ الإمرة إليه. فأجابه وأنعم عليه بثلاثين ألف درهم. وأخذ معه سليمان بن مهنّأ بالقود، وتقدّمه ومعه أخوه موسى بن مهنّأ. وقدم على السلطان فسرّ بقدوم موسى كثيرا، ثمّ قدم سليمان بالقود. فردّ على أبيه مهنّأ الإمرة. فزادت


(١) في أعيان العصر للصفدي ٣/ ١٠٥:
... يطلبه ... إنّ المراد من الصبيان معلوم
(٢) الشارمساحيّ: انظر ترجمته رقم ٤٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>