للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مع الفخر حتى نقل إلى الأمير بيبرس الأحمديّ أمير جندار. وضرب أياز عدّة من أصحابه بالمقارع، ثمّ أفرج عنه في يوم الأربعاء خامس عشرين ربيع الآخر، واستقرّ صاحب ديوان الجيش رفيقا لابن شيخ السلاميّة عوضا عن معين الدين هبة الله بن حشيش.

فلمّا رضي السلطان عنه أمر بإعادة المال الذي أخذ منه إليه، فامتنع من أخذه وقال: أنا خرجت عنه للسلطان، فليبن به جامعا!

فبنى به الجامع الجديد بموردة الحلفاء من مدينة مصر، وكانت إعادة الفخر إلى نظر الجيش في ثاني عشر ذي الحجّة سنة ثنتي عشرة، وأعيد ابن حشيش إلى ديوان الجيش.

ثمّ إنّ السلطان حنق من الفخر لكثرة معارضته له وقال له، وقد اشتدّ غضبه: قم! اخرج من وجهي، ولا ترني وجهك بعدها!

فقام وهو يقول: والله لقد أراحني الله.

فعظم هذا على السلطان فأمر به فلكم وكشف رأسه، فقام السلطان ونزع خفّيه وضربه، وهو (١) يقول: إن كنت [ت] وسّط [ن] ي ما أخدمك أبدا.

فزاد حنق السلطان، وما زال الأمراء حتى سكّنوا غضبه بعد ما بالغوا في إهانة (٢) الفخر وأخرجوه عن السلطان. ثمّ شفعوا فيه فرضي عنه وخلع عليه وقال له: لا تكن متجرّئا على السلطان في مجلسه.

فاستمرّ على حاله. وحجّ في سنة عشرين، فكانت غيبته ثلاثين يوما. وتصدّق على أهل الحرمين بعدّة آلاف دينار.

وما زال على رتبته حتى مرض ومات ليلة الأحد النصف من شهر رجب سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بمنزله من مصر على حافّة النيل. ودفن بالقرافة عند قبر ابن أبي جمرة.

وكان متواضعا يحبّ الفقراء، وسمع الحديث من الأبرقوهيّ وغيره. وكان الحديث النبويّ يقرأ عنده في أيّام الجمع وغيرها، ويجتمع عنده العلماء والصلحاء. وزار القدس مرّة فدخل إلى كنيسة القمامة، فسمع وهو يقول عند ما نظر إلى معابيد النصارى: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا [آل عمران: ٨].

وتنزّه في آخر عمره عن أخذ المعلوم السلطانيّ على نظر الجيش، واقتصر على أخذ كماجة (٣) واحدة من المخابز السلطانيّة تحضر إليه في كلّ يوم ليأكلها، ويقول: هذه أتبرّك بها.

ولمّا مات قال السلطان: لعنه الله! له خمس عشرة سنة ما يخلّيني أعمل ما أريد!

ومن حين مات تسلّط السلطان على الناس وصادرهم وعاقبهم وتجرّأ على كلّ قبيح.

ولمّا مرض بلغه أنّ شمس الدين موسى ابن التاج قد سعى في نظر الجيش وقال للسلطان: ولو تعافى الفخر ما بقي يصلح، فإنّ بصره قد كفّ.

فركب وهو في غاية الضعف إلى القلعة، وقال للسلطان: جئت لأودّعك وأنصحك وأوصيك بعيالي وأولادي. وعندي ذخيرة لمولانا السلطان.

فأمّا نصحي، فإنّ أولاد التاج (٤) إسحاق قد [٢٢٠ أ] اتّفقوا على أخذ مالك من الخاصّ ومن الديوان- وبسط لسانه بالقول فيهم. وأمّا الذخيرة فعندي عشرة آلاف دينار ولؤلؤ وغيره، وجميع ذلك من


(١) أي الفخر ابن فضل الله.
(٢) اهنه في المخطوط، وقراءتنا ظنّيّة.
(٣) الكماج والكماجة: خبز من دقيق أبيض رفيع (دوزي).
(٤) تاج الدين إسحاق القبطيّ ناظر الخاصّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>