للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان مكرما للعلماء والصالحين، كثير الإيثار والصداقة والتواضع، لطيف الأخلاق.

وولي وزارة الصحبة في الأيّام الظاهريّة بيبرس مدّة وزارة جدّه الصاحب بهاء الدين. فلمّا مات أقرّ له ولأخيه نجم الدين محمد بمبلغ ستّين ألف دينار دينا.

ثمّ إنّه ولي الوزارة بعد مقتل الأمير الوزير علم الدين سنجر الشجاعيّ في ابتداء أيّام [٦١ أ] الملك الناصر محمد بن قلاوون، ونيابة الأمير زين الدين كتبغا في يوم الاثنين رابع عشرين صفر سنة ثلاث وتسعين وستّمائة. وأقيم في نظر الدولة فخر الدين عمر ابن الخليليّ، وتاج الدين عبد الرحمن ابن الشهوريّ فاشتغل عن أمور الدولة بتدبير أحواله، وجمع ما عدم له عند مصادرة الشجاعيّ له، واستردّ عدّة أملاك كانت قد خرجت عنه. وكانت الدولة حينئذ كثيرة الكلف. فكان ابن الخليلي يقلق لوقف الحال، والوزير غير مكترث بذلك ولا يفكّر فيه، بل يكون في أضيق خناق من تواتر الطلب وعدم الحاصل، فيقول لابن الخليليّ بعد ما يعلّق دواة الوزارة: قم يا مولانا وخلّ عنك ما أنت فيه! فقد عمل لنا ملوخيا وباذنجان مقليّ وأرز عزيزيّ! نأكل، ومن الساعة إلى ساعة أخرى فرج! فينحصر ابن الخليليّ من هذا وتنحرف أخلاقه فيقول: يا مولانا الصاحب، خف من الله! نحن في أشدّ ما يكون من الطلب وقد عجزنا للعالمين عن راتب المماليك. وأنت تقول: قم نأكل! كيف نأكل؟

فينهض وهو يقول: إذا لم تأكل أنت أكلت أنا.

وبقى الأمر على هذا إلى أن تسلطن كتبغا، فشكا إليه ابن الخليليّ حاله، فصرف ابن حنّا في يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى سنة أربع وتسعين بفخر الدين عمر ابن الخليليّ، بعد ما أقامت الخيول السلطانيّة ثلاثة أيّام يؤخذ لها العلف من دكاكين العلّافين. وأحضرت تقاوي (١) النواحي المخلّدة بها لزرع الأراضي وأكلت.

فعوّق بالقلعة أيّاما ليحمل ما قرّر عليه، ثمّ أفرج عنه.

وولي مرّة ثانية في [ ... ].

وتوفّي ليلة السبت الخامس من شهر جمادى الأولى سنة سبع وسبعمائة، ودفن بالقرافة.

وكان مترفا يتناهى في المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والمساكن.

واشترى الآثار النبويّة (٢) بستّين ألف درهم، ووضعها بالرباط المعروف برباط الآثار خارج مدينة مصر، بجوار [بستان] المعشوق.

ورأى من العزّ والوجاهة والرئاسة ما لا رأى جدّه الصاحب بهاء الدين، بحيث إنّ ابن الخليليّ لمّا لبس خلع الوزارة في بعض ولايته نزل من قلعة الجبل بالخلعة إلى عنده، وجلس بين يديه وقبّل يده. فأحبّ ابن حنّا أن يجبر خاطره فأمر بعض خدمه بإحضار توقيع بمرتّب يختصّ بذلك الخادم. فلمّا أحضر التوقيع قال لابن الخليليّ:

مولانا يعلّم [٦١ ب] على هذا التوقيع!

فتناوله منه وقبّله وكتب عليه قدّامه، فكان هذا من ابن حنّا بمنزلة الإجازة والإمضاء لوزارة ابن الخليليّ، وعدّ هذا من ابن حنّا زيادة في مقدار ابن الخليليّ.

ومن محاسنه أنّه شرط في تربته بالقرافة أنّ


(١) التقاوي (ج تقوية) المخلّدة هي مدّخرات الحبوب لبذرها في موسم الزراعة (دهمان ٢٣٤ ودوزي).
(٢) الوافي ١/ ٢١٨: مرود ومخصف وقطعة من قصعة إلخ ...

<<  <  ج: ص:  >  >>