للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأطفال المرتّبين لقراءة القرآن بها في مكتب السبيل إذا مسحوا ألواحهم يصبّون الماء الذي غسلوها به من كتابة القرآن الكريم على قبره تبرّكا بذلك.

ومن عظمته في النفوس أنّ الشجاعي صادره وأراد ضربه وجرّده من ثيابه فلم يمكنه أحد من أهل مجلسه أن ينزع قميصه. فلمّا ضرب من فوقالقميص سوطا واحدا، لم يزالوا به حتى خلّى عنه. هذا مع عتوّ الشجاعي وجبروته وقوّة تمكّنه.

وكان سبب ذلك أنّه كان كثير الاقتناء للخيل فاشترى حجرة بنحو ثلاثة آلاف درهم، وبعث إلى الأمير قلاوون يطلب منه فحلا له يعرف بالجاموس كان عزيزا عليه لينزيه على الحجرة فبلّغه القاصد ذلك وهو بين مماليكه وذلك في الأيّام الظاهريّة فشقّ عليه ذلك وقال: قل له: صار قلاوون عندك [ ... ]- وحقدها عليه حتى صار إلى السلطنة.

فتقدّم إلى الشجاعيّ بمصادرته. ولمّا عرّاه ليضربه قال: إن كان الضرب بسبب المال فالمال عندك.

قال له: وشيء آخر أفكّرك فيه يا مولانا نسيته، أنت تذكر طلبك الفحل الجاموس [ ... ] (١).

ومن عظيم سيادته أنّه كان لا يشير في بيته بشيء ولا يتكلّم مع أحد من خدمه. بل كلّ ما تدعو الحاجة إليه يقع على وفق مراده.

وإذا مدحه شاعر تناول مديحه بيده ووضعه بجانبه فيحضر في الحال الخادم ومعه مبلغ مائتي درهم أو تفصيلة من غير أن يتكلّم و [لا] يشير بيده ولا بطرفه.

وأضاف جدّه مرّة ضيافة تأنّق فيها وبالغ في تحسين سائر ما عمل بها. فلمّا عاد جدّه إلى داره

أخذ الناس عنده يتعجّبون من همّة الصاحب تاج الدين وكرم نفسه. فقال لهم الصاحب بهاء الدين:

ليس هذا بعجيب لأنّ نفسه كريمة ومكنته واسعة.

والعجب العجيب كونه طول هذا النهار [ومع] كثرة ما أحضره من المشروب والمأكول، ما بين طعام وفاكهة وحلوى وغيرها على اختلاف الأنواع، ما قام من مكانه، ولا استدعى خادما فأسرّ إليه ولا أشار بيده ولا بعينه، ولم يأت أحد من خدمه إليه ولا أشار له.

فقال بعضهم: وما يتعجّب منه أنّ الناس مع كثرتهم لم يشرب أحد منهم إلّا ماء باردا عامّة النهار مع شدّة الحرّ. فسئل عن ذلك فيما بعد فقال: اشترينا خمسمائة كوز وبعثنا بها إلى الجيران فبرّدوها تحت البادهنجات (٢).

وكان له رجل مرتّب معه حمام [كحمام البطائق] مدرّب، فإذا خرج من باب القلعة سرّح الحمام فسقط على داره فيهيّئ أهله الملوخيا والططماج ونحو ذلك من الأطعمة، بحيث إذا قدم وجد الطعام ممدودا على السماط.

ومدحه جماعة من الشعراء كالسراج الورّاق وابن دانيال وغيره.

ومن شعره [الطويل]:

توهّم واشينا بليل مزارنا ... فجاء ليسعى بيننا بالتباعد

[٦٢ أ] فعانقته حتى اتّحدنا تلازما ... فلم ير واشينا سوى فرد واحد

وقوله [السريع]:

لله في الأحوال لطف جميل ... فاغن به عن ذكر قال وقيل


(١) هذا الكلام جاء في الطرّة وهي متآكلة، فلم نستطع قراءتها كاملة.
(٢) بادنج وبادهنج: أنبوب يتّخذ للتهوئة والتبريد (دوزي)، وهنا يبدو أنّها إنفاق تحت الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>