للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإتقانا وحفظا وضبطا للحديث وتفهّما في علله وأسانيده، عالما بصحيحه وسقيمه، مستحضرا للسيرة، له حظّ من العربيّة وله الشعر الرائق والنثر الفائق.

قال القطب عبد الكريم الحلبيّ في حقّه: إمام محدّث حافظ أديب شاعر بارع، وجمع وألّف وخرّج وانتقى، وبقي له يد طولى في الحديث والأدب وصنعة الشعر، متقنا في علم الحديث، حافظا، حجّة، ثبتا (١) فيما ينقل ويضبط، من أحسن الناس محاضرة.

وقال الشهاب أحمد بن يحيى بن فضل الله:

أحد أعلام الحفّاظ، وإمام أهل الحديث الواقفين بعكاظ، البحر المكثار، والحبر في نقله الآثار.

وله أدب أسلس قيادا من الغمام بأيدي الر [ي] اح، وأسلم مرادا من الشمس في ضمير الصباح.

وكان من بيت علم ورئاسة. ولجدّه مصنّف في منع بيع أمّهات الأولاد في مجلّد ضخم يدلّ على علم جمّ.

[٦٧ ب] وقال الصلاح الصفديّ: كان حافظا بارعا أديبا متفنّنا بليغا ناظما ناثرا كاتبا مترسّلا، حسن المحاورة، لطيف العبارة، فصيح الألفاظ، كامل الأدوات، جيّد الفكرة، صحيح الذهن، جميل المعاشرة، لا تملّ محاضرته، أدبه غضّ، والإمتاع بأنسه بضّ، كريم الأخلاق، كثير الحياء، زائد الاحتمال، حسن الشكل والعمّة، قلّ أن ترى العيون مثله. وهو من بيت رئاسة وعلم، عنده كتب كثيرة وأصول جيّدة. سمع وقرأ وارتحل وكتب وصنّف وحدّث وأجاز وتفرّد بالحديث في وقته. ولعلّ مشيخته تقارب ألف شيخ. ونسخ

بخطّه واختار وانتقى شيئا كثيرا، ولازم الشهادة مدّة. وكان طيّب الأخلاق بسّاما صاحب دعابة ولعب. وكان صدوقا في الحديث حجّة فيما ينقله، له بصر نافذ وخبرة تامّة بالرّجال وطبقاتهم ومعرفة بالاختلاف، ويد طولى في علم اللسان.

ومحاسنه جمّة. وكان يكرّر الصلوات كلّ صلاة مرّات كثيرة، وكان صحيح القراءة سريعها، كأنّها السيل إذا تحدّر، سريع الكتابة: كتب ختمة قرآن في جمعة، وكتب السيرة النبوية من تصنيفه في عشرين يوما وهي في مجلّدين كبيرين. وكان صحيح العقيدة، جيّد الذهن، يفهم النكت العربيّة ويسارع إليها، لكنّه جمّد ذهنه لاقتصاره على النقل.

وكان الشيخ تقيّ الدين محمد ابن دقيق العيد يحبّه ويؤثره ويركن إليه وإلى نقله. وإذا حضر درسه وجاء ذكر أحد من الصحابة أو من رجال الحديث، سأله عنه فيأخذ في الكلام ويسرد، وابن دقيق العيد مصغ إلى ما يقوله. ولو كان له اشتغال بقدر ذهنه [ل] كان قد بلغ الغاية القصوى، لكنّه كان فيه لعب. على أنّه ما خلّف بعده مثله لأنّه كان متناسب الفضائل، وكان محظوظا ما رآه أحد إلّا أحبّه (٢).

واختصّ بالأمير علم الدين سنجر الدواداري فوصله بالسلطان الملك المنصور لاجين فقرّره في جملة الموقّعين بديوان الإنشاء وباشر ذلك ثم استعفى من التوقيع فأعفي وعمل المعلوم له مرتّبا، واستمرّ يتناوله.

واختصّ بكريم الدين الكبير ناظر الخاصّ وغيره من الأمراء، وولي عدّة تداريس. وكتب كتبا كثيرة وأمّهات جيّدة وأصول [ا] عديدة،


(١) جاءت هذه النعوت منصوبة بدون وجه.
(٢) انتهى هنا النقل عن الوافي ١/ ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>