للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غالبها حضر إليه من بلاد المغرب (١). وصنّف كتاب «عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير»، واختصر [٦٨ أ] ذلك وسمّاه كتاب «نور العيون في سيرة الأمين المأمون»، وكتاب «تحسين (٢) الإصابة في تفضيل الصحابة»، وكتاب «النفح الشذيّ في شرح جامع الترمذيّ» - ولم يكمل، وكتاب «بشرى اللبيب بذكرى الحبيب»، وكتاب «منح المدح»، وكتاب «المقامات العليّة في كرامات الصحابة المرضيّة».

وله شعر رقيق سهل التركيب منسجم الألفاظ عذب النظم، وترسّل جيّد.

وكان النظم عليه بلا كلفة يكاد لا يتكلّم إلّا بالوزن. وكتب بالخطّ المغربيّ طبقة كما كتب بالخطّ المشرقيّ طبقة.

وتوفّي يوم السبت حادي عشر شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة بالقاهرة، ودفن بالقرافة وكانت جنازته عظيمة الجمع.

وأصابه مرّة في خدّه نزلة ورم منها ورما فاحشا، واشتدّ به الألم فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم في منامه وكأنّه يشكو إليه ذلك فمرّ بيده المقدّسة عليه فانفجر. واستيقظ فإذا بما في خدّه من الموادّ قد سال وزال ألمه. فنظم مجلّدة في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلم على حروف المعجم، فجاء تسعا وعشرين قصيدة، وتداول الناس كتابتها، وهي التي سمّاها «بشرى اللبيب بذكرى الحبيب».

ومن شعره [البسيط]:

فقري لمعروفك المعروف يغنيني ... يا من أرجّيه والتقصير يرجيني

إن أوبقتني الخطايا عن مدى شرف ... نجا بإدراكه الناجون من دوني

أو غضّ من أملي ما شان من عملي ... فإنّ لي حسن ظنّ فيك يكفيني

وقوله [السريع]:

بادر إلى الخيرات واعمل بها ... فإنّما المرء بأعماله

لا بدّ أن يسأل عن جاهه ... كأنّما يسأل عن ماله (٣)

وقوله [الهزج]:

صرفت الناس عن بالي ... فحبل ودادهم بالي

وحبل الله معتصمي ... به علّقت آمالي

ومن يسل الورى طرّا ... فإنّي ذلك السالي

فلا وجهي لذي جاه ... ولا ميلي لذي مال

وذكر جامع السيرة الناصريّة أنه كان في ابتداء أمره مشغوفا بالشرب والمنادمة حتى كانت الأكابر لا يتمّ مجلس أنسهم إلّا به، إلى أن ولي مشيخة الحديث فأقلع، وبقي كثير من الناس تتّهمه أنّه على ما كان [٦٨ ب] عليه. فلمّا مرّت جنازته تحت القلعة، كان السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون جالسا بالشبّاك والنشو بين يديه، فاستعظم الجنازة وبعث يسأل عنها فلمّا قيل له: جنازة فتح الدين ابن سيّد الناس شيخ الحديث، قال للنشو:

«يا خوند، هذا كان من أكثر الناس إدمانا لشرب الخمر». فعند ما حضر القضاة من الغد للخدمة السلطانيّة بدار العدل قال السلطان لقاضي القضاة


(١) قال الصفديّ: من تونس، وذكر منها عناوين.
(٢) في الوافي: تحصيل.
(٣) كأنّما تخمينيّة لانطماسها في الطرّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>