للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صبر السلطان من كثرة تحكّم بيبرس الجاشنكير وسلّار النائب عليه، ومنعهما له من التصرّف، وضيق ذات يده. فشكا ذلك لخاصّته، وأكثر من التوجّع. فوعدوه بالقيام معه وأخذ الأميرين وأحبّوا الاستظهار على ذلك بأحد من الأمراء.

فوقع الاختيار على الأمير بكتمر الجوكندار أمير جاندار لما كان يظهر من موادّته للسلطان في السرّ. فاستدعاه السلطان وعرّفه ما وقع عليه الاتّفاق، فوافق عليه، وقرّر أنّه إذا غلق باب القلعة وباب القلّة وحضرت المفاتيح عند السلطان على العادة ألبس مماليكه وأركبهم الخيول منالاسطبل فيمضو [ن] إلى إسطبلات بيبرس وسلّار وأتباعهما ويأخذون خيولهم منها، وتضرب الكوسات السلطانيّة ليجتمع الناس لطاعة السلطان. ثم إنّه يأتيهم وقت أذان الفجر حتى يتوجّه هو والمماليك السلطانيّة، ويهجموا على بيبرس وسلّار في دورهما بالقلعة ويأخذوهما.

فنقل ذلك إلى بيبرس وسلّار من أعين كانت لهما دائما تنقل إليهما ما يكون في مجلس السلطان.

فكتما ذلك وأخذا في الاحتراس، وبيّتا مع الأمير بلبان الدمشقيّ والي القلعة- وكان من أخصّاء بيبرس، ومن جملة البرجيّة- أن لا يغلق أبواب القلعة في تلك الليلة ويوهم أنّه غلّقها ويطرّف أقفالها ويدخل بالمفاتيح على ذلك. ففعل ذلك، وظنّ [٩٤ أ] المماليك السلطانيّة أنّهم قد حصلوا على ما أرادوه. فتهيّئوا وانتظروا بكتمر الجوكندار أن يأتيهم، فلم يحضر، حتى فتح باب القلّة بعد الفجر، فبعثوا إليه، فإذا به جالس مع بيبرس وسلّار، وقد تحالفوا أن يكونوا يدا واحدة. وفتح باب القلعة وحضر الأمراء بأجمعهم إلى الخدمة على العادة. فاشتدّ وهم السلطان وظنّ أنّ الجوكندار غدر به وانتظر وقوع المكروه به من الأمراء.

وما كان الجوكندار بالذي غدر، إلّا أنّه لمّا بلغ بيبرس وسلّار ما وقع الاتّفاق عليه اجتمعا بدار النيابة من القلعة، وعزم بيبرس على أن يبعث إلى الجوكندار من يهجم عليه بيته ويأخذه منه بالقوّة.

فمنعه سلّار من ذلك- وكان كثير السياسة حسن التدبير- وبعث من يستدعيه برفق لضرورة حديث. وقال بيبرس: إن امتنع، فأخرجوه كرها.

فلمّا قدم الرسول إليه ظنّ السوء وهمّ بالامتناع، ثمّ توجّه إليهما. فعنّفاه تعنيفا كثيرا على ما قرّره مع السلطان، فأنكر ذلك وحلف أنّه باق على ما يعهد [ان] هـ من قيامه معهما. فجدّدا عليه اليمين بالوفاء لهما وحادثاه حتى أصبح. وحضر الأمراء هذا، وقد وقف أتباع بيبرس وسلّار على خيولهما بباب الإسطبل يترقّبون من يخرج منه ليوقعوا به. فمنع بيبرس وسلّار الأمراء من الدخول لخدمة السلطان على العادة، وأغروهم بالسلطان ومماليكه، فطار الخبر بالقاهرة أنّ الأمراء عزموا على قتل السلطان أو إخراجه إلى الكرك. فغلّقت الأسواق واجتمعت العامّة تحت القلعة. وركب الأجناد والأمراء وأقاموا نهارهم على ذلك.

فلمّا أقبل الليل خشي الأمراء من نزول السلطان من باب سرّ القلعة فأكّدوا على أمير آخور بالاحتراس على الخيل وأوقفوا جماعة بالسلاح على باب الإسطبل. فلمّا انتصف الليل سمعت حركة بالإسطبل: وهي أنّ المماليك السلطانيّة قصدوا النزول ليركبوا من الإسطبل ويقاتلوا على الباب. فمنعهم السلطان من ذلك. فضرب سمك طبله وحطّم إلى الإسطبل ورمى بالنشّاب فوقع سهم في الرفرف (١) السلطانيّ، فأخذها السلطان


(١) حطّم هنا بمعنى: أجرى فرسه بسرعة (دوزي). والرفرف- حسب تعليق محمد مصطفى زيادة (السلوك ٢/ ٣٥ -

<<  <  ج: ص:  >  >>