تكون حركته إلى دمشق أوّل شعبان. وكتب إليه أيضا قبجق نائب حماة وأسندمر نائب طرابلس.
فسيّره إلى الأمير [٩٨ أ] بكتمر الجوكندار نائب صفد، وإلى الأمير كراي المنصوري بالقدس يدعوهما، فأجابا إلى الطاعة.
وخرج السلطان من الكرك كأنّه يتصيّد، فلمّا بلغ خروجه نائب الشام بعث إليه آي دغدي شقير وجوبان ليردّاه. فقدما عليه وحلفا له على الطاعة وعادا إلى دمشق وقد بقيا عينا له، [وأعلما] النائب أنّ الناصر يتصيّد على زيزاء. فجرّد الأفرم نائب الشام من الأمراء قطلوبك الكبير، والحاج بهادر الحلبيّ الحاجب، وبهادر آص وبكتمر الحساميّ الحاجب، وجوبان، وكجكن، وعلم الدين سنجر الجاوليّ، ليحفظوا طرقات الشام على من يخرج إلى الملك الناصر، إلى أن يحضر عسكر مصر، ليتوجّهوا جميعا إلى الكرك، ويحاصروا الناصر حتى يأخذوه برغمه. وكتب يستحثّ الملك المظفّر على مجيء عسكر مصر، وأنّه قد أخرج عسكر دمشق وجدّد الحلف عليهم وعلى سائر الأمراء، ألّا يخونوا السلطان ولا يروحوا إلى الملك الناصر.
فجرّد الملك المظفّر من مصر الأمير آقوش الروميّ ليقيم بناحية السويس، حفظا لها ممّن يتسحّب إلى الكرك. فقتله مماليكه وأخذوا جميع ما معه ولحقوا بالملك الناصر. فأكرمهم وأجرى عليهم الرواتب.
وفرّ أيضا ممّن جرّده المظفّر مع الأمير برلغي الأشرفيّ إلى العبّاسة عدّة من أمراء الطبلخاناه والمماليك الأويراتيّة، وقدموا على الناصر.
وتلاهم غيرهم حتى لم يبق مع برلغي إلّا خواصّ المظفّر.
فسار الملك الناصر من الكرك أوّل شعبان يريد دمشق، فكتب إليه قطلوبك وبهادر وبكتمر الحساميّ ورفقتهم بالدخول في طاعته وأشاروا بالمهلة في السير ليعرفوا ما عند بقيّة الأمراء.
وبعثوا بمسير الناصر إلى الأفرم نائب الشام، وقصدوا بذلك الإشاعة بين الناس، وقالوا في كتبهم: إنّا لا نقاتل، فلتخرج أنت ببقيّة العسكر لقتاله، فما هو إلّا أن أشيع ذلك بدمشق، فثار الناس يدا واحدة وصاحوا بأجمعهم: نصر الله الملك الناصر!
فنادى الأفرم في الناس: طيّبوا خواطركم! فما لكم من سلطان إلّا الملك المظفّر.
فصاح الناس كلّهم صوتا واحدا: لا! لا! ما لنا سلطان إلّا الملك الناصر!
وشرع الأجناد يخرجون بأسلحتهم طوائف طوائف كما جرى في مصر. وعزم الأميران بيبرس العلائي، وبيبرس المجنون على أخذ الأفرم. ففرّ ليلا إلى جهة الشقيف، فلمّا بلغ فراره الأمير قطلوبك، ركب هو وبهادر الخلفي إلى الملك الناصر [٩٨ ب] وبشّراه بذلك، فسرّ سرورا زائدا وخلع عليهما، وأنعم على كلّ منهما بعشرة آلاف درهم.
ثمّ حضر إليه علم الدين سنجر الجاوليّ، وجوبان، فتلقّاهما وأكرمهما، وسار إلى الكسوة (١). فخرج إليه بقيّة من بدمشق من الأمراء والأعيان والعسكر. وأخرج له الأمراء جميع شعار السلطنة من السناجق الخليفيّة والسلطانيّة والعصائب والجتر والغاشية. فحلف العساكر بأجمعهم.
وركب في يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان يريد مدينة دمشق، وقد زيّنت بأعظم زينة وخرج سائر
(١) الكسوة على طريق مصر من دمشق (ياقوت).