للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أهلها إلى لقائه، حتى صغار المكاتب، وامتلأت الطرقات والبيوت بالناس بحيث بلغ كراء البيت للفرجة من مائة درهم إلى خمسمائة درهم فضّة ما بين ميدان الحصا إلى القلعة والقصر الأبلق بالميدان.

وبسطت له شقاق الحرير الملوّنة، وسار والأمراء مشاة بأجمعهم، وحمل الأمير قطلوبك الكبير الغاشية، وحمل الأمير بهادر الحلبي الجتر (١)، إلى أن نزل [السلطان] بالقصر الأبلق. وعند نزوله بالقصر قدم مملوك الأمير قراسنقر نائب حلب يخبر بأنّه ركب من حلب، وركب قبجق من حماة، إلى لقاء السلطان.

فخلع عليه وأعاده ليحضر مخدومه سريعا.

واستشار الأمراء في أمر الأفرم نائب الشام، فأشاروا بأن يؤمّن. فبعث إليه الجاولي، فلم يحضر حتى حلف له السلطان، وبعث الحاج أرقطاي الجمدار باليمين فحضر معه، وخرج السلطان إلى لقائه وترجّل له وخلع عليه وأقرّه في نيابة الشام على حاله.

فلمّا كان يوم الجمعة ثامن عشرينه خطب باسم الملك الناصر بدمشق، وفيه حضر الأمراء قراسنقر نائب حلب، وقبجق نائب حماة، وأسندمر نائب طرابلس، وتمر الساقي نائب حمص. فركب السلطان والتقاهم، وترجّل لقراسنقر وعانقه، وأثنى على الأمراء. ثمّ حضر الأمير كراي من القدس، والأمير بكتمر الجوكندار نائب صفد، فلم يبق أحد من الأمراء إلّا وقدّم للسلطان التقادم النفيسة على قدر حاله. فأنفق السلطان في سائر الأمراء والعساكر. وقدّم الأمير كراي بطائفة إلى غزّة، وخرج بمن بقي في يوم الثلاثاء تاسع رمضان يريد مصر، وسلك على طريق القدس. فزار (٢)، وقدم غزّة فأقام بها حتى تكامل الجيش.

وكان المظفّر بيبرس قد انحلّ أمره وفرّ من القلعة في سادس عشر رمضان. فأصبح الحرّاس يوم الأربعاء سابع عشره وضجّوا في [٩٩ أ] قلعة الجبل باسم الناصر. وخطب باسمه على منابر مصر والقاهرة وقلعة الجبل في يوم الجمعة تاسع عشره. وبعث إليه سلّار نائب السلطنة بالنمجاة (٣) وأعلمه بهروب بيبرس. وخرج من القاهرة بيبرس الدوادار وبهادر آص يريدان الملك الناصر وقدما عليه غزّة. وقدم أيضا الأمير ساطي السلاح دار في جماعة من الأمراء. وقدم برلغي وآقوش نائب الكرك بمن معهما. وقدم الأمير مهنّا أمير العرب في عربان كثيرة. وقدمت التركمان، حتى صار في عساكر يضيق بها الفضاء.

فرحل عن غزّة، فإذا بقاصد سلّار ومعه النمجاة. فسرّ سرورا عظيما بفتح مصر من غير قتال. وسار إلى أن نزل بركة الحاجّ ظاهر القاهرة يوم الأربعاء أوّل شوّال يوم العيد. فخرج سلّار ومن معه إلى لقائه، ولم يكد يتأخّر بالقاهرة كبير أحد حتى خرج إليه فرحا بقدومه ومحبّة فيه.

وعزم على الإقامة يومه وأن يقصد إلى القلعة في غده. فجاء النذير بأن آقوش الأفرم نائب الشام وبرلغي قد وافقا البرجيّة على الفتك به. فركب وحوله ثقاته بالسلاح عليهم وفي أيديهم، يمنعون الأمراء أن يدنوا منه حتى دخل القلعة. فكان يوما مشهودا، وتفرّق الأمراء في منازلهم وبات جماعة من ثقات السلطان على خيولهم حول القلعة يحرسونها، وعليهم السلاح، إلى أن أصبح يوم الخميس ثاني شوّال وجلس على سريرالسلطنة.

وحضر الخليفة، وسائر الأمراء، والقضاة، والعلماء، للهناء. فاستفتح [محمد بن عليّ] بن


(١) الغاشية: بساط فاخر والجتر مظلّة كبيرة، وهما من شعارات السلطنة.
(٢) أو: فخار.
(٣) النمجاة: سيف مقوّس (دوزي). وانظر السلوك ١/ ٨٥٧ هامش ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>