موسى الراعي وقرأ: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ [تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ] الآية [آل عمران: ٢٦] ودعا، فلمّا تقدّم الخليفة أبو الربيع ليسلّم على السلطان قال له: كيف تسلّم على خارجيّ؟ هل كنت أنا خارجيّا، وبيبرس من بني العبّاس؟
فتغيّر لونه وسكت، ثمّ التفت إلى علاء الدين عليّ بن عبد الظاهر الموقّع، وكان قد كتب عهد السلطنة لبيبرس عن الخليفة، وقال: يا أسود الوجه!
فقال له على الفور: يا خوند، أبلق خير من أسود!
فقال له السلطان: ويلك! حتى [الآن] لا تترك رنكه أيضا؟ - ومعنى هذا أنّ ابن عبد الظاهر كان من الزام الأمير سلّار، ورنك سلّار أبلق (١).
ثمّ التفت السلطان إلى قاضي القضاة بدر الدين محمد ابن جماعة وقال له: يا قاضي، كنت تفتي المسلمين بقتالي؟
فتبرّأ من ذلك، ثمّ حضر صدر الدين محمّد بن [عمر] ابن المرحّل فقال له: كيف تقول [٩٩ ب] [البسيط]:
ما للصبيّ وما للملك يكفله ... شأن الصبيّ لغير الملك مألوف
فحلف أنّه لم يقل هذا، وإنّما دسّه الأعداء في شعره ليسعوا في تلافه، ثمّ قال: والعفو من شيم الملوك- فعفا عنه. واستأذن عليه الشيخ شمس الدين محمد بن عدلان فلم يأذن له، وقال للدوادار: قل له: أنت أفتيت بأنّه خارجيّ وأنّ قتاله جائز، [ف] ما لك عنده دخول. ولكن أنت وابن المرحّل يكفيكما ما قاله الشّارمساحيّ فيكما
من شعره- يعني قول الشهاب أحمد بن عبد الدائم الشّارمساحيّ من أبيات في بيبرس [البسيط]:
ومن يقوم ابن عدلان بنصرته ... وابن المرحّل، قل لي: كيف ينتصر! ؟
وأنعم على الأمير سلّار بالشوبك، وولّى الأمير قراسنقر نائب حلب نيابة دمشق عوضا عن آقوش الأفرم، والأمير قبجق نائب حماة نيابة حلب، والأمير الحاج بهادر الحلبيّ نيابة طرابلس عوضا عن أسندمر كرجيّ، والأمير قطلوبك الكبير نيابة صفد عوضا عن بكتمر الجوكندار. وولّى أسندمر كرجي نيابة حماة. وولّى سنقر الكمالي على عادته حاجب الحجّاب بديار مصر، والأمير قرا لاجين أمير مجلس على عادته، والصاحب فخر الدين عمر ابن الخليليّ الوزارة عوضا عن ضياء الدين عبد الله بن أحمد النشائيّ، والأمير بيبرس دوادار على عادته، وأضاف إليه نيابة دار العدل ونظر الأحباس. ورسم بسفره هو وبهادر آص بالأمان إلى المظفّر بيبرس، وأن يتوجّه إلى صهيون نائبا بها ويحضرا من عنده بما أخذه من المال وغيره.
فلمّا كان يوم الخميس سادس عشره وحضر الأمراء الخدمة، قرّر السلطان مع مماليكه أنّه، إذا رفع السماط، وطلب السلطان أمير جندار، يقبض على أمراء عيّنهم، وجعل على كلّ عشرة من المماليك واحدا يتقدّم عليهم منهم، ويقبض العشرة الأمراء بعد أن يكونوا في الخدمة مع مقدّمهم خلف ذلك الأمير الذي عيّن لهم. فلمّا دخل الأمراء إلى الخدمة وقف كلّ عشرة من المماليك بمقدّمهم خلف من عيّن لهم، وجلس السلطان وقد عرف الغضب في وجهه. فأحسّ الأمراء بالشرّ، وما هو إلّا أن فرغوا من الأكل [حتى] أشار السلطان إلى أمير جندار فتقدّم إليه وقبض المماليك على اثنين وعشرين أميرا. ثمّ
(١) في السلوك ٢/ ٧٤: كان رنك سلّار أبيض وأسود.