للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واستوطن المدينة بعد موت النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وكان على مقدّمة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في مسيره إلى الجابية. وكان هو الذي يقتصّ آثار من شكي من العمّال لعمر رضي الله عنه، فلمّا اختطّ سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه الكوفة في المحرّم سنة سبع عشرة وبنى له بها قصرا نقل لعمر رضي الله عنه أنّه أغلق قصره عليه، ثمّ قال: «سكن الصويت (١) عنّي»، وأنّ الناس يسمّونه «قصر سعد».

فبعث محمّدا وقال: سر إلى الكوفة واعمد إلى القصر حتّى تحرق بابه ثمّ ارجع عودك على بدئك.

فقدم الكوفة فاشترى حطبا وأتى باب القصر وأضرم الباب، وأتى سعدا الخبر فقال: هذا رسول أرسل لهذا.- وبعث لينظر من هو، فإذا هو محمد بن مسلمة، فأرسل إليه بأن: ادخل- فأبى.

فخرج إليه فأراده على الدخول والنزول فأبى، فعرض عليه نفقة فلم يأخذ، ودفع كتاب عمر إليه:

بلغني أنّك بنيت قصرا اتّخذته حصنا، ويسمّى قصر سعد، وجعلت بينك وبين الناس بابا. فليس بقصرك، انزل منه منزلا ممّا يلي بيوت الأموال وأغلقه، ولا تجعل على القصر بابا تمنع الناس من دخوله، وتنفيهم به عن حقوقهم، ليوافقوا مجلسك ومخرجك من دارك إذا خرجت.

فحلف له سعد ما قال الذي قالوا.

ورجع محمد من فوره حتى إذا دنا من المدينة فني زاده فتبلّغ بلحاء من لحيّ (٢) الشجر، وقدم على عمر وقد تقرّح شدقه. فأخبر خبره كلّه، فقال: فهلّا قبلت من سعد؟

فقال: لو أردت ذلك كتبت لي بذلك أو أذنت لي فيه.

فقال عمر: إنّ أكمل الرجال رأيا من إذا لم يكن عنده [١٣٣ ب] عهد من صاحبه عمل بالحزم أو قال به ولم يشكل عليه.

وأخبره بيمين سعد وبقوله، فصدّق سعدا، وقال:

هو أصدق ممّن روى عليه وممّن أبلغني. فإنّ سعدا محسّد مأخوذ (٣). ثمّ لمّا ألب شكاة سعد عليه عند عمر رضي الله عنهما، بعث محمّدا إليه، مقدم الكوفة ليطوف بسعد على الناس فطوّف بها المساجد.

فكان لا يقف على مسجد فيسألهم عنه إلّا قالوا:

لا نعلم إلّا خيرا، إلّا ما كان من نفر مالئوا (٤) الجرّاح بن سنان الأسديّ فإنّهم كانوا يسكتون، وتكلّم فيه أسامة بن قتادة، فخرج بسعد وشكاته إلى عمر، فكان من خبر سعد ما ذكر في ترجمته (٥).

وكان عمر رضي الله عنه إذا بعث عمّاله يشترط عليهم ألا يتّخذوا على المجالس التي يجلسون فيها للناس بابا ولا يركبوا البراذين ولا يلبسوا الرقاق ولا يأكلوا النقيّ ولا يغيبوا عن صلاة الجمعة. فمرّ يوما بطريق من طرق المدينة فقال له رجل: أبشر يا عمر بالنار!

قال: وما ذاك؟

قال: تستعمل العمّال وتعهد إليهم عهدك، ثمّ ترى أنّ ذلك قد أجزاك. كلّا! والله إنّك لمأخوذ إذا لم تتعهّدهم!

قال: وما ذاك؟

قال: عياض بن غنم (٦) يلبس الليّن، ويفعل ويفعل.


(١) الصوت في المخطوط، والإصلاح من الطبري ٤/ ٤٧.
(٢) في المخطوط: لحاء مكرّرة، واللحاء القشرة.
(٣) الطبري ٤/ ٤٧، وهذه الجملة الأخيرة ليست فيه.
(٤) في المخطوط: قالوا، والتصحيح من الطبري ٤/ ١٢١.
(٥) ترجمة سعد مفقودة.
(٦) عياض بن غنم القرشي، له ترجمة في أسد الغابة ٤/ ٣٢٧ (٤١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>