للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: أساع أنت؟

قال: بل مؤدّ الذي عليه.

فبعث إلى محمد بن مسلمة أن الحق بعياض بن غنم فائت به كما تجده.

فانتهى إلى بابه بحمص، فإذا عليه بوّاب، فقال له: قل لعياض: على الباب رجل يريد أن يلقاك.

قال: ما تقول؟

قال: قل له ما أقول لك.

فذهب كالمتعجّب فأخبره، فعرف عياض أنّه أمر حدث، فخرج فإذا محمد، فرحّب به وقال له:

ادخل، فإذا عليه قميص رقيق ليّن، فقال: إنّ أمير المؤمنين أمرني أن لا يفارق سوادي سوادك حتّى أذهب بك كما أجدك.

ونظر في أمره وداره فوجد الأمر كما قيل عنه، فقدم به على عمر فأدّبه.

وبعثه عمر في جند عمرو بن العاص فشهد فتح مصر، وطلع الحصن مع الزبير، واختطّ بمصر دارا، وعاد إلى المدينة، ثمّ قدم مصر مرّة أخرى برسالة عمر رضي الله عنه إلى عمرو ليقاسمه المال، ومعه كتاب عمر إليه: أمّا بعد، فإنّكم معشر العمّال قعدتم على عيون الأموال فجبيتم الحرام، وأكلتم الحرام، وأورثتم الحرام. وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة الأنصاريّ ليقاسمك مالك، فأحضره مالك. والسلام.

فلمّا قدم مصر أهدى له عمرو هديّة فردّها عليه، فغضب ثمّ قال: يا محمّد، لم [١٣٤ أ] رددت إليّ هديّتي، وقد أهديت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم مقدمي من غزوة ذات السلاسل فقبل؟

فقال له محمد: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يقبل بالوحي ما شاء ويمتنع ممّا شاء. ولو كانت هديّة الأخ لأخيه قبلتها، ولكنّها هديّة أمام شرّ خلفها.

فقال عمرو: قبّح الله يوما صرت فيه عاملا لعمر بن الخطّاب! فلقد رأيت العاصي بن وائل يلبس الديباج المزرّر بالذهب، وأنّ الخطّاب بن نفيل ليحمل الحطب على حمار بمكّة.

فقال محمّد: أبوك وأبوه في النار. وعمر خير منك، ولولا اليوم الذي أصبحت تذمّ لألفيت معتقلا عنزا يسرّك غزرها ويسوءك بكؤها (١).

فقال عمرو: هي فلتة المغضب، وهي عندك بالأمانة.

ثمّ أحضره ماله فقاسمه إيّاه، ثمّ رجع.

فلمّا كانت قتلة عثمان رضي الله عنه وبويع عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه اعتزل الناس، واتّخذ سيفا من خشب، وجعله في جفن وذكر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمره بذلك، ولم يشهد الجمل ولا صفّين، وأقام بالرّبذة. وكتب إليه معاوية: أمّا بعد، فإنّي لم أكتب إليك وأنا أرجو مبايعتك، ولكنّي أردت أن أذكّرك النعمة التي خرجت منها، والشكّ الذي دخلت فيه. إنّك فارس الأنصار وعدّة المهاجرين، ادّعيت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمرا لم تستطع إلّا أن تمضي عليه. فهذا نهاك عن قتل أهل الصلاة. فهلّا نهيت أهل الصلاة عن قتل بعضهم بعضا؟ وقد كان عليك أن تكره لهم ما كره لك رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أو لم تر عثمان وأهل الدار من أهل الصلاة؟ فأمّا قومك فقد عصوا الله وخذلوا عثمان، والله سائلهم وسائلك عن الذي كان، يوم القيامة.

وكتب إليه شعرا [الطويل]:

أيا فارس الأنصار في كلّ كربة ... ويا أيّها الباني لها كلّ مكرمة


(١) بكؤها: قلّة لبنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>