للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلمّا مات العزيز بالله وقام من بعده ابنه أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو عليّ المنصور، استخلفه على صلاة عيد الفطر، فصلّى بالناس في مصلّى العيد خارج القاهرة، وخطب [١٧٣ أ]، وهو متقلّد السيف الذي كان للعزيز، وكان العزيز يشرّفه بصعود المنبر معه إذا خطب في يومي العيدين.

وجعل إليه الحاكم بأمر الله القيام على العزيز والوقوف على غسله وتكفينه فعظمت رتبته وتمكّن من الحاكم وعلت منزلته، وأقطعه الحاكم دار راشد العزيزي بالقاهرة (١).

ثمّ كثرت علله بالنقرس والقولنج فكان أكثر أيّامه عليلا، وابنه عبد العزيز ينظر بين الناس، ويخلفه في الحكم والأسجال.

وكان برجوان مع جلالته وعظم منزلته يعوده في كلّ خميس (٢) ولا يقطع التردّد إلى داره فلا يتأخّر أحد من رجال الدولة عن المصير إليه في كلّ يوم، وكان جميع أهل الدولة يركبون في كلّ يوم إلى دار برجوان في أيّام قيامه بأمر الدولة الحاكميّة، فإذا خرج صاروا معه إلى القصر ما خلا القائد حسين بن جوهر والقاضي محمد بن النعمان، فإنّهما كانا لا يركبان إلى داره وإنّما يجتمعان معه في القصر خاصّة.

وكان يكاتب ب «قاضي القضاة»، وتجاوز حدّ القضاة إلى رتب الملوك. وكانت النعمة تليق به لعموم إحسانه لسائر أتباعه وأصحابه مع حسن الخلق وجلالة البزّة وبشاشة الوجه. وكان يلبس الدرّاعة والعمامة بغير طيلسان ويركب بتجمّل

كثير. وكان يكثر استعمال الطّيب في مجلسه، إذا جلس وإذا ركب. وكان إذا أعطى أجزل في العطاء وأوفر.

ولم تزل علّته تتزايد به حتى مات بالقاهرة ليلة الثلاثاء رابع صفر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة عن تسع وأربعين سنة تنقص يوما واحدا. وكانت مدّة ولايته القضاء أربع عشرة سنة وستّة أشهر وعشرة أيّام.

وترك عليه دينا ستّة وثلاثين ألف دينار كلّها من أموال اليتامى والمحجور عليهم، فأمر الحاكم بأمر الله برجوان فختم على جميع ما تركه وباعه، وطالب الأمناء والعدول بأموال اليتامى المثبتة عليهم في ديوان القضاء، فزعموا أنّ القاضي قبضها، وأقام بعضهم البيّنة على ذلك وعجز بعضهم عن البيّنة فأغرم ما ثبت عليه فاجتمع من مال البيع وما أخذ من الأمناء ثمانية عشر ألف دينار قدّرت بحقّ النصف.

وعند ما مات قيدت دوابّه إلى إسطبل الخلافة.

وركب الحاكم بأمر الله إلى داره وصلّى عليه، ودفن تحت قبّتها ثمّ نقل بعد ذلك من جبّانة القاهرة، ودفن عند أبيه وأخيه بتربة أولاد النعمان من القرافة الكبرى.

ومن شعره [البسيط]:

لو صحّ فيما مضى شيء أنست به ... أفنيت باقي حياتي في تطلّبه

أو كان في عابر اللذّات لي أرب ... لكنت أعتب دهري في تعتّبه

لكن تعقّبني دهر فأوضح لي ... ما كان يستر عنّي من تعقّبه

[١٧٣ ب] فذقته علقما من بعد لذّته ... كذلك الدهر يحلو للجهول به


(١) هذه التفاصيل غير مذكورة في ترجمته في ذيل الولاة والقضاة.
(٢) الكلمة مطموسة، والإصلاح من الذيل ٥٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>