للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكاتب وأبو بكر بن أبي الأزهر: كان أبو العبّاس محمد بن يزيد من العلم وغزارة الأدب وكثرة الحفظ وحسن الإشارة وفصاحة اللسان وبراعة البيان وملوكيّة المجالسة وكرم العشرة وبلاغة المكاتبة وحلاوة المخاطبة وجودة الخطّ وصحّة القريحة وقرب الإفهام ووضوح الشرح وعذوبة المنطق على ما ليس عليه أحد ممّن تقدّمه أو تأخّر عنه.

سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول: لم ير المبرّد مثل نفسه ممّن كان قبله، ولا يرى بعده مثله.

وحدّثنى سهل بن أبي سهل البهزيّ وإبراهيم بن محمد المسمعيّ قالا: رأينا محمد بن يزيد، وهو حديث السنّ، متصدّرا في حلقة أبي عثمان المازنيّ يقرأ عليه كتاب سيبويه، وأبو عثمان في تلك الحلقة كأحد من فيها.

وحدّثني اليوسفيّ الكاتب (١) قال: كنت يوما عند أبي حاتم السّجستانيّ إذ أتاه شابّ من أهل نيسابور، فقال له: يا أبا حاتم، إنّي قدمت بلدكم، وهوبلد العلم والعلماء وأنت شيخ هذه المدينة، وقد أحببت أن أقرأ عليك كتاب سيبويه- فقال له:

الدين النصيحة، إن أردت أن تنتفع بما تقرأ فاقرأ على هذا الغلام، محمد بن يزيد، فتعجّبت من ذلك.

وكان سبب حمله من البصرة فيما حدّثني أحمد بن حرب صاحب الطّيلسان (٢) قال: قرأ

المتوكّل على الله يوما، وبحضرته الفتح بن [٢٢٣ ب] خاقان وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩) [الأنعام: ١٠٩]، فقال له الفتح بن خاقان: يا سيّدي، أَنَّها إِذا جاءَتْ بالكسر. ووقعت المشاجرة، فتبايعا على عشرة آلاف دينار، وتحاكما إلى يزيد بن محمّد المهلّبيّ (٣) - وكان صديقا للمبرّد- فلمّا وقف يزيد على ذلك خاف أن يسقط أحدهما، فقال: والله ما أعرف الفرق بينهما، وما رأيت أعجب من أن يكون باب أمير المؤمنين يخلو من عالم متقدّم.

فقال المتوكّل: فليس هاهنا من يسأل عن هذا؟

فقال: ما أعرف أحدا يتقدّم فتى بالبصرة يعرف بالمبرّد.

فقال: ينبغي أن يشخص.

فنفذ الكتاب إلى محمد بن القاسم بن محمد بن سليمان الهاشميّ بأن يشخصه مكرّما.

فحدّثني محمّد بن يزيد قال: وردت سرّ من رأى، فأدخلت على الفتح بن خاقان فقال لي: يا بصريّ، كيف تقرأ هذا الحرف: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ بالكسر، أو أَنَّها إِذا جاءَتْ بالفتح؟ فقلت: أَنَّها بالكسر، هذا المختار، وذلك أنّ أوّل الآية: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩)، ثمّ قال تبارك وتعالى: يا محمد وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩)،


- فجعلها فوق الخمسين، فطارت كلّ مطار، وسارت كلّ سير. وانظر زهر الآداب ٢/ ٢٣٤.
(١) هو أبو الطيّب محمّد بن عبد الله اليوسفيّ، من ولد أحمد بن يوسف الكاتب، كان كاتب المأمون: الفهرست ١٢٣.
(٢) هو أحمد بن حرب المهلّبيّ، أهدى للحمدوني الشاعر طيلسانا أخضر لم يرضه، قال أبو العبّاس المبرّد:
وأنشدنا فيه عشر مقطّعات، فاستحلينا مذهبه فيها، -
(٣) يزيد المهلّبي (ت ٢٥٩): أبو خالد يزيد بن محمد بن المهلّب، شاعر بصريّ: الأعلام ٩/ ٢٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>