للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

باستئناف (١) جواب الكلام المتقدّم.

قال: صدقت.

وركب إلى دار أمير المؤمنين، فعرّفه بقدومي، وطالبه بدفع ما تخاطرا عليه، وتبايعا فيه.

فأمر بإحضاري فحضرت، فلمّا وقعت عين المتوكّل عليّ قال: يا بصريّ، كيف تقرأ هذه الآية: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ بالكسر، أو أَنَّها إِذا جاءَتْ بالفتح؟

فقلت: يا أمير المؤمنين، أكثر الناس يقرأها بالفتح.

فضحك وضرب برجله اليسرى، وقال: أحضر يا فتح المال!

فقال: إنّه والله يا سيّدي قال لي خلاف ما قال لك.

فقال: دعني من هذا، أحضر المال!

وأخرجت فلم أصل إلى الموضع الذي كنت أنزلته، حتى أتتني رسل الفتح، فأتيته فقال لي: يا بصريّ، أوّل ما ابتدأنا به الكذب!

فقلت: ما كذبت، فقال: كيف وقد قلت لأمير المؤمنين إنّ الصواب: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ بالفتح؟

فقلت: أيّها الوزير، لم أقل هكذا وإنّما قلت:

أكثر الناس يقرؤها بالفتح، وأكثرهم على الخطإ، وإنّما تخلّصت من اللائمة، وهو أمير المؤمنين.

فقال لي: أحسنت.

قال أبو العبّاس: فما رأيت أكرم كرما، ولا أرطب بالخير لسانا من الفتح.

وقال أبو العبّاس: أحضرت مجلس المتوكّل يوما، وقد عمل فيه النبيذ، وبين يديه أبو عبادة

الوليد بن عبيد البحتري، وهو ينشد [٢٢٤ أ] قصيدة يمدح فيها المتوكّل، وبالقرب من البحتريّ أبو العنبس الصّيمريّ، فأنشد البحتريّ قصيدته التي أوّلها [الكامل]:

عن أيّ ثغر تبتسم ... وبأي طرف تحتكم

حسن يضنّ بحسنه ... والحسن أشبه بالكرم

حتى بلغ إلى قوله:

قل للخليفة جعفر ال ... متوكّل بن المعتصم

المرتضى ابن المجتبى ... والمنعم ابن المنتقم

أمّا الرّعيّة فهي من ... أمنات عدلك في حرم

نعم عليها في بقائ ... ك فلتتمّ لها النّعم

يا باني المجد الذي ... قد كان قوّض فانهدم

اسلم لدين محمّد ... فإذا سلمت له سلم

نلنا الهدى بعد العمى ... بك والغنى بعد العدم (٢)

فلمّا انتهى رجع القهقري للانصراف، فوثب أبو العنبس الصّيمريّ فقال: يا سيّدي يا أمير المؤمنين، تأمر بردّه؟

فردّه، فقال أبو العنبس: قد عارضتك في قصيدتك! - وكنت بحضرة أمير المؤمنين- ثم اندفع ينشده شيئا، لولا أنّها جواب وبها تجب


(١) في إنباه الرواة: «باستيفاء».
(٢) ديوان البحتريّ ٣/ ١٩٩٢ (٧٦٦) وقد نقل ناشره حسن كامل الصيرفي روايات مختلفة للقصّة التي تليها، والتي جعلت البحتريّ المغبون يقول: ضاع العلم وهلك الأدب!

<<  <  ج: ص:  >  >>